مقال: كتب روبرت فيسك: الفرق بين أميركا وإسرائيل؟.. ليس ثمة فرق

نتنياهو يريد أن يدمر إنجاز السياسة الخارجية الوحيد الممكن الذي في متناول أوباما
نتنياهو يريد أن يدمر إنجاز السياسة الخارجية الوحيد الممكن الذي في متناول أوباما

لا شك في أن أوري أفنيري هو أكثر اليساريين الإسرائيليين الذين قابلتهم في حياتي فكراً، وفلسفة، وصفاء بصيرة. ومثل الشاعر “تي. إس. إليوت”، ينطوي أفنيري عادة على استخدام أقل عدد من الكلمات للتعبير عن أعظم الحقائق. ومع كل مقالة يكتبها، كنت أقول دائماً الشيء نفسه: بالضبط! ومع ذلك، ولأول مرة منذ أكثر من 40 عاماً، لا أتفق مع هذا الرجل العظيم.

اقترح أفنيري مؤخراً أن اتفاق بنيامين نتنياهو على التحدث أمام كونغرس الولايات المتحدة بناء على دعوة الجمهوريين الأميركيين يوم الثلاثاء -قبل أسبوعين من عقد انتخابات إسرائيلية عامة-وقرار أوباما عدم مقابلة المارق القديم، عملا على تدمير الدعم الذي تتمتع به إسرائيل من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، في أميركا. ولأول مرة، كما يقول أوري، أصبح يُسمح للساسة الديمقراطيين بانتقاد إسرائيل.

هراء مطلق! لقد تذلل رجال الكونغرس من كلا الحزبين وانبطحوا، وأغمي عليهم وشهقوا وصرخوا بدعمهم لنتنياهو وأسلافه بحماس أكبر من ذلك الذي فعلته قطعان الرومان في مسرح الكوليسيوم. وفي المرة الأخيرة التي ظهر فيها “بيبي” في مبنى الكونغرس، فإنه تلقى -حرفياً-عشرات الوقفات من التصفيق الحار المتواصل من الممثلين الشبيهين بالغنم للشعب الأميركي، والذين يقترح عشقهم الهائل للدولة الإسرائيلية من دون أي تشكيك ولا تمحيص -وخوفهم المريع من الجهر حتى بأقل قدر من النقد لها حتى لا يقال عنهم إنهم معادون للسامية-يقترح أن “بيبي” كان ليشكل رئيساً أميركياً أكثر شعبية بما لا يقاس من باراك أوباما. ولن يضر امتلاكه لكنة أميركية لا تشوبها شائبة، بطبيعة الحال.

وهدفه -أن يكسب الأصوات الانتخابية لنفسه وأن يدمر إنجاز السياسة الخارجية الوحيد الممكن الذي في متناول أوباما-لن يكون له أي أثر من أي نوع على العلاقات الإسرائيلية الأميركية. وعندما جعل “بيبي” من نفسه أضحوكة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -عن طريق عرضه فيلم كرتون طفوليا عن قنبلة إيرانية مع خط أحمر في المنتصف، ملمحاً إلى أن إيران يمكن أن تبني أسلحة نووية بحلول نهاية العام 2013-قابل الإعلام الأميركي تمثيليته السقيمة بالكثير من التدليل والتسامح. وقد ظلت صلاحية تلك المواعيد النهائية الأسطورية تنتهي مراراً وتكراراً طوال عقد كامل. ومع ذلك، ما زال يفترض فينا أن نأخذها على محمل الجد. ويأتي كل ذلك في وقت يكافح فيه أوباما من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران، والذي سيكون من شأنه أن يحمي العالم من أي إنتاج للأسلحة النووية من طرف الجمهورية الإسلامية.

لكن “بيبي” يريد تدمير هذه الإمكانية. يريد فرض عقوبات. يريد أن يفوز بالانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها يوم 17 آذار (مارس). بل إنه ربما يقوم بقصف إيران -وهو ما سيستدعي رداً عسكرياً فورياً ضد الولايات المتحدة. لكنه سيخبر الكونغرس حتماً بأن وجود إسرائيل كله على المحك.

ووفقاً لأوري، فإن “بيبي” سيكون بذلك وكأنه يبصق في وجه أوباما. وقد كتب أوري أفنيري في نهاية الأسبوع الماضي: “لا أعتقد أن شيئاً مثل هذا قد حدث في أي وقت من الأوقات. رئيس وزراء بلد تابع صغير، معتمد على الولايات المتحدة في كل شيء عملياً، يأتي إلى الولايات المتحدة ليتحدى رئيسها علناً، ويصفه بالغشاش والكاذب… مثل إبراهيم، الذي كان مستعداً لذبح ابنه نفسه لإرضاء الله، يبدو نتنياهو مستعداً للتضحية بأكثر مصالح إسرائيل حيوية من أجل فوزه بالانتخابات”.

إنني لا أرغب في استبعاد مصلحة “بيبي” الذاتية. وحتى أوري نفسه يعترف بأنه لا يستطيع أن يتخيل أي حيلة انتخابية أكثر مكراً. ويقول: “إن استخدام كونغرس الولايات المتحدة كدعامة ومنصة دعائية هو ضرب من العبقرية”. لكن رئيس وزراء إسرائيل يعرف أيضاً أنه يستطيع أن يفلت بأي شيء في أميركا -بالثقة نفسها التي يستطيع بها أن يدعم جيشه عندما يرتكب المذابح في حق المئات من الأطفال في غزة، باعتباره ذلك “دفاعاً عن النفس” تمارسه إسرائيل. ومن الطبيعي أن يكون خطاب “بيبي” في الكونغرس غير متناسب، تماماً مثل قصف جيشه لأكثر الأحياء الفقيرة في العالم “قوة”.

وسوف يبلي حسناً على أي حال. قيل لنا إن الديمقراطيين منزعجون. وعلمنا أن أوباما غاضب جداً جداً، وغاضب فعلاً. لكن الرئيسة الديمقراطية المحتملة القادمة لا تصنع أي مشكلة بالنسبة لبيبي. لقد كانت هيلاري كلينتون، كما يجب أن نتذكر، هي التي أخبرتنا في الصيف الماضي بأنها ليست متأكدة من أن “من الممكن تحديد الطرف الملوم” في مذبحة غزة، “لأن من المستحيل معرفة ما يحدث في ضباب الحرب”.

وربما تحجب القصص الإخبارية ما كان يحدث هناك. “أعتقد في مرات كثيرة أن الكرب الذي تشعرون به بسبب التغطية، والنساء والأطفال وكل بقية ذلك، تجعل من الصعب جداً إمكانية الفرز المناسب للوصول إلى الحقيقة”. وهكذا، فإنه كلما قل عدد التقارير الإخبارية، أصبحنا كلنا أقرب إلى معرفة الحقيقة عن النساء والأطفال “وكل بقية ذلك”. فلا عجب إذن أن يشعر الصهاينة الليبراليون، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، بالقلق من أن هيلاري كلينتون تصبح قريبة جداً من نتنياهو.

أما بالنسبة للجمهوريين، فما عليكم سوى إلقاء نظرة على جيب بوش، وهو يعد بأن كل شيء سيتعرض لحملة تنظيف في حال أصبح هو القائد الأعلى في الولايات المتحدة. لن يكون هناك أي تركيز، بشكل مفهوم، على “الماضي” -بابا جورج وأخي الكبير جورج دبليو. لكن مستشاريه المحتملين في الرئاسة المستقبلية، يضمون كلاً من باول وولفويتز، وجون حنا (“مستشار الأمن القومي” العجوز لديك تشيني)، ومايكل هايدن (الذي ضلل الكونغرس في مسألة التعذيب)، وكاندي رايس، التي سميت على اسمها ناقلة نفط كاملة، ثم ألغيت تلك التسمية فيما بعد -أي، بعبارات أخرى، الطاقم الرديء نفسه الذي أنتج فكرة “أسلحة الدمار الشامل”، وموت مئات الآلاف من العراقيين، وتريليونات الدولارات من الدَّين، والتعذيب و”سحابة الفطر” سيئة السمعة (“ضباب حرب” حقيقي، إذا كان ثمة ضباب من الأساس).

ويقول كاتب العمود ماورين دود إن جيب بوش يجب أن يحمل المسؤولية ويحاسب أولئك الذين ألحقوا “ندوباً عميقة بأميركا”. ولكن، لماذا قد يفعل ذلك؟ إن الشيء الوحيد الذي لم يذكره جيب هو أن إسرائيل كانت في العام 2003 تقوم هي أيضاً بإنتاج الحيل والأكاذيب نفسها حول أسلحة الدمار الشامل وصلات صدام حسين بالإرهاب العالمي”.

ولن يذكر “بيبي” نتنياهو العالم بذلك أيضاً في حديثه أمام الكونغرس، بطبيعة الحال. سوف تكون أسلحة الدمار الشامل الإيرانية، وروابط “الدولة الإسلامية بـ”الإرهاب العالمي” هي العناوين التي ستجعل الكونغرس الأميركي يقف على قدميه.

من المؤسف أن “بيبي” لم يكن قد ولد في نيويورك. ولو أنه فعل، لكنا سنحصل على الرئيس الأميركي نتنياهو -ونكف عن الادعاء بأن هناك أي فرق بين الحكومات الإسرائيلية والحكومات الأميركية.

البث المباشر