مقال: فلسطينيو الـ 48 دورهم ومكانتهم المستقبلية

بقلم: مصطفى الصواف

لقد تعرض الشعب الفلسطيني ممن بقي في فلسطين المحتلة من عام 48 لظلم كبير من الاحتلال الصهيوني والذي مارس كافة أشكال العنصرية والاضطهاد، وتعرض لعملية تدجين وتهويد وطمس لهويته وثقافته ونزعه من نفسه ومن ثم تحويله إلى إنسان مدجن بلا هوية وبلا ثقافة وبلا انتماء، ومجرد آلة بشرية تتحرك وفق رغبات الصهاينة كي يعمل بالطريقة التي تحقق مصالحهم ويكونوا عملاء وجواسيس يقتلون إخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأبى الفلسطينيون إلا أن يكونوا فلسطينيين متمسكين بهويتهم وأرضهم وانتمائهم، فكان الظلم الثاني الأدهى هو خجل بعض من الفلسطينيين من إطلاق وصف الفلسطيني عليهم فنعتوهم تارة بعرب (إسرائيل) وأخرى بعرب الداخل ، وتارة بعرب الخط الأخضر، ووصل الأمر بنسيانهم وتركهم يواجهون مصيرهم ، ولم يجعلوهم جزءا من صناعة القرار أو رسم السياسات التي ترسم مستقبلهم كونهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني.

مع الأسف تراجعت مكانتهم لدى منظمة التحرير بتراجع المشروع الوطني، فبعد أن كانت فلسطين كل فلسطين هي حق للشعب الفلسطيني وكان من تبقى من الشعب الفلسطيني داخل أراضي الـ 48 هم جزء من الشعب الفلسطيني ككل ، أصبحوا بعد ذلك خارج اهتمام منظمة التحرير بعد أن تراجع المشروع الوطني وانحسر في الضفة والغربية وقطاع غزة وباتوا هم جزء من الكيان بعد أن اعترفت المنظمة به واعتبروا  أقلية عربية داخله.

ولكنهم في العقل الجمعي الفلسطيني هم جزء مهم من الشعب الفلسطيني وفي عقلهم ووجدانهم أنهم فلسطينيون وأن مكانتهم باقية ودورهم مهم في المشروع الوطني، حتى وإن أسقطه البعض من حساباتهم وتركهم يواجهون مصيرهم بعيدا عن مصير شعبهم حيثما وجد.

ومن نافلة القول أن المشهد الفلسطيني أشبه بمربع له أضلاع أربعة لو فقدنا ضلعا منه يصعب أن نسميه مربعا، والفلسطينيون في أراضي الـ 48 هم أحد هذه الأضلاع الأربعة ، وقاعدة هذا المربع ليست ثابتة، فتارة تكون غزة وأخرى تكون الضفة وثالثة تكون الفلسطينيين في الـ 48 ورابعة الفلسطينيين في الشتات ، وكما هو معروف أن أضلاع المربع متساوية، والمختلف هنا هو من من هذه الأضلاع يكون هو القاعدة؟ وهذا يتغير بتغير الحدث والدور الذي يلعبه كل ضلع أي كل جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني ، بهذا التصور نثبت مكانة ودور الفلسطينيين في الـ 48 كمكون أساسي من مكونات الشعب الفلسطيني الأساسية.

دليل ذلك أن انتفاضة القدس اعتمدت في بداياتها على الفلسطينيين في الـ 48 وذلك من خلال تواجدهم في ساحات المسجد الأقصى، فكانون قبل اندلاع المواجهات هم من يواجه الاقتحامات ويتصدى للمستوطنين وللجيش والشرطة عندها كانوا هم القاعدة التي تشكل الحدث ، ولا نبالغ إذا قلنا أن تواجد أهلنا من فلسطيني الـ 48 في القدس هو من وضع حدا لوقف مشروع تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا ، ثم كانت مواجهتهم وتصديهم للاقتحامات من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال وشرطته هي الصاعق الذي أشعل فتيل الانتفاضة، ولا يعني هذا أن هذه هي المسألة التي تؤكد أهمية هذا الجزء المهم من الشعب الفلسطيني فعلى مدار سنوات الاحتلال والاغتصاب كانت لهم أدوار كبيرة ومؤثرة ولا اخجل عندما أقول أن أول من انتفض في وجهة الاحتلال هم الفلسطينيون في الـ 48 في أحداث يوم الأرض والتي نرى أنها كانت أول انتفاضة في وجه الاحتلال إذا أردنا أن ننصف إخواننا في فلسطين المحتلة من عام 48.

واليوم عندما انتفض الشعب الفلسطيني وأصبحت قاعدة المربع في الضفة الغربية باتت بقية أضلاع المربع مساهمة وداعمة لها بشكل أو بآخر ، فالمسألة تكاملية يتقدم هذا ويتأخر ذاك وفقا لحقيقة واحدة أننا جميعا فلسطينيون لنا هدف واحد هو التخلص من الاحتلال ولكل منا دور مهم ومكانة بارزة.

علينا أن ندرك أن الاحتلال الصهيوني لا يؤمن إلا بالفلسطيني الميت ولا يعترف بموته إلا بعد أربعين عاما من موته ، هكذا هم ، ونظرتهم إلى كل فلسطيني أنه عدو ، ثم أن الاحتلال طوال سنوات الاغتصاب يمارس كافة الأساليب لنزع الفلسطيني من فلسطينيته ومارس كل الإشكال العنصرية وغير العنصرية واستخدم الكثير من الوسائل من اجل محو الذاكرة منهم وتغيير ثقافتهم وتحويلهم إلى متعاونين أو خدم للمشروع الصهيوني وما يسمى بدولة (إسرائيل) ولكن الفلسطينيين وقفوا في وجه الاسرلة والتهويد ونزعهم من أصولهم وتمسكوا بها وباتوا شوكه في حلق هذا الكيان وتحملوا كل الممارسات في سبيل تمسكهم بفلسطينيتهم مما زاد من قلق هذا الاحتلال والذي بات يفكر إن لم يكن هذا جزء من تفكيره من اللحظة التي قام بها هذا الكيان بالتخلص من المواطنين الفلسطينيين بكل الأشكال والوسائل.

البث المباشر