صمت الغرب على حرب اليهود ضد المسيحية في فلسطين

صورة لمدينة القدس المحتلة
صورة لمدينة القدس المحتلة

د. صالح النعامي

 

إن كان للمرء يمكن أن يتفهم العداء للإسلام، فإنه من المفارقات التي تحدث فقط في الكيان الصهيوني أن يتخذ التيار الديني اليهودي الذي يشارك في الحكم موقفا عدائيا على نحو متطرف من المسيحية رغم أن (إسرائيل) تستمد قوتها بشكل أساسي من الدعم اللامحدود الذي تقدمه الدول التي ينتمي معظم سكانها للديانة المسيحية.

 وعلى الرغم من أن بعض المذاهب المسيحية، سيما المذهب البروتستانتي متطرف في تبنيه المنطلقات الدينية والعقائدية للتيار الديني من الصراع، سيما عقيدة أن اليهود هم الشعب المختار، وأرض الميعاد وغيرها. لكن كل ذلك لم يغير من واقع موقف التيار الديني اليهودي تجاه المسيحية، حيث أن المرجعيات الدينية اليهودية تعتبر المسيحية "كفرا".

رغم أن بعض المذاهب المسيحية متطرف في تبنيه المنطلقات الدينية والعقائدية للتيار الديني من الصراع، لكن كل ذلك لم يغير من واقع موقف التيار الديني اليهودي تجاه المسيحية، حيث أن المرجعيات الدينية اليهودية تعتبر المسيحية "كفرا"

وعلى الرغم من أن الجماعات المسيحية الإنجيلية الأمريكية تجند عشرات الملايين من الدولارات كل عام لتمويل بناء مستوطنات جديدة على الأراضي العربية المحتلة، وللمساعدة في تواصل المشاريع التهويدية في القدس المحتلة، إلا أن معظم مرجعيات التيار الديني الصهيوني ترفض أي علاقة معهم. ولقد طالب الحاخام شلومو أفنير بعدم السماح للمسيحيين اإأنجيليين بـ "تدنيس" المستوطنات، وقاطع بعض النخب التي تنظم لهم زيارات لها.

ولا يقتصر العداء على المواقف النظرية، بل يتعداه إلى ممارسة الاعتداءات على الكنائس واستهداف رجال الدين المسيحيين. فعلى مدى أربع سنوات قام عناصر التنظيمات اليهودية المتطرفة بإحراق أربع كنائس في القدس وداخل فلسطين 48، ناهيك عن كتابة شعارات تحط من قيمة الديانة المسيحية وتتوعد المسيحيين بالقتل.

في الوقت ذاته، فإن القساوسة الذين يعملون في الكنائس المسيحية في القدس المحتلة يتعرضون لاعتداءات من عناصر التنظيمات اليهودية، حيث نقلت صحيفة "هارتس" عن بعض القساوسة قولهم إنهم يتعرضون للضرب على يد الإرهابيين اليهود الذين يقومون أيضا بالبصق عليهم.

 ويستمد هذا الموقف من الرأي الفقهي الذي تؤمن به جميع التيارات الدينية اليهودية والذي يرى المسيحية ضربا من ضروب الوثنية. وقد اتخذت المصادر الدينية اليهودية موقفاً معادياً جداً من المسيحية والنبي عيسى بن مريم عليه السلام بشكل خاص؛ ويقول التلمود: "لقد ضلل يسوع وأفسد (إسرائيل) وهدمها"، في حين يروي كتاب زوهر أن "يسوع مات كبهيمة ومات في كومة قذرة، حيث تطرح الكلاب والحمير النافقة"؛ في حين يطالب التلمود اليهود بأن يعتبروا المسيحيين "حيوانات غير عاقلة ويعاملونهم معاملة الحيوانات الدنيئة". ويزعم التلمود أن مريم كانت "عاهرة، هربت من زوجها واقترفت الزنا".

 واتهم التلمود عيسى بالشعوذة وأنه مجنون، ووصفه أيضاً بالهرطيق. وهناك من الحاخامات من دعا اليهود عندما يذكر اسم المسيح للابتهال بالقول: "فليمح الرب اسمه وذكره".

واستناداً إلى هذا الإرث، وكمؤشر على روح العداء التي يكنها التيار الديني الصهيوني للمسيحية والعالم المسيحي، فقد رفضت المرجعيات الدينية الرئيسية إجراء حوار مع الفاتيكان، الذي يمثل الكنيسة الكاثوليكية. وقد وصف الحاخام عفوديا يوسيف مؤسس حركة "شاس" الدينية ومرجعيتها الأوحد البابا بأنه: "كافر وخنزير وقمامة".

وعلى الرغم من أن (إسرائيل) ارتبطت بتحالف قوي مع الموارنة في لبنان، حيث تطوع الموارنة للقتال ضد حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية حتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي خدمة للمصالح الإسرائيلية، إلا أن التيار الديني الصهيوني ظل يعارض هذا التحالف على اعتبار أن الموارنة مسيحيون "وثنيون"، أي أن الاعتبارات التي تحكمها الأيدلوجية القائمة على الإرث الديني تتقدم لدى الصهيونية الدينية على المصالح.

وهناك جدل محتدم بين الأغلبية الساحقة من مرجعيات الصهيونية الدينية وبين قلة من الساسة والمثقفين المتدينين الذين يرون وجوب استغلال المسيحيين وتحديداً الإنجيليين الذين يعتبرون أكثر الجماعات المسيحية تعاطفاً مع اليهود من أجل الحصول على الدعم المادي والدعائي في مواجهة العرب.

المفارقة أن الفاتيكان والأطر الدينية المسيحية والحكومات الغربية لا تنتصر للمسيحية في فلسطين.

البث المباشر