نشأ لدى الجماعة الأمنية جدل يتعلق في نوع المعلومات الاستخبارية المتعلقة بمشروع الأنفاق التي كانت تملكها "إسرائيل" وبالاستعداد لمواجهة التهديد, وسُمع أيضاً طلب إنشاء لجنة تحقيق، لكن هذا هو الجدل غير الصحيح, إن سلوك الحكومة في عملية "الجرف الصامد" يجسد الفرض الخاطئ وهو أن "إسرائيل" تملك القدرة على إزالة تهديدات عسكرية بالقضاء على الوسائل القتالية المهددة, ومن الواضح أن الأنفاق الهجومية هي نوع من وسائل القتال، لكن "إسرائيل" لم تنجح قط في إزالة تهديد بطريقة عسكرية فقط.
إن ضرب "إسرائيل" لقوة الجيوش العربية أنتج زيادة القوة مجدداً، هذا ما كان مثلاً بعد المس الشديد بالجيوش العربية في 1967 الذي مهد الطريق لحرب يوم الغفران, وفي حالات أخرى أفضت الضربة العسكرية إلى استبدال تهديد بتهديد كما حدث عقب ضرب قوات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1982 واستبدالها بحزب الله, وإن ضرب حزب الله في حرب لبنان الثانية أفضى فقط إلى زيادة مخزون الصواريخ الموجهة على "إسرائيل" من لبنان, وأصبحت هذه أيضاً منذ 2006 نتيجة إنجازات "إسرائيل" العسكرية في مواجهة حماس في غزة، والتي زادت كما تذكرون في حفر الأنفاق.
إن استعمال القوة العسكرية خفف التهديد العسكري فقط حينما كان يصاحبه مسار سياسي, فهكذا أسقط تهديد جيشي مصر والأردن وكان ثمن ذلك تنازلات سياسية ملحوظة, ولم تضعف "إسرائيل" القوة السورية أيضاً في حربي 1973 و1982 وهما حربان زادتا سباق التسلح بين الطرفين قوة فقط, نبع تضعضع القوة السورية من انصراف الاتحاد السوفييتي عن تسليح سوريا بعد انقضاء الحرب الباردة, وأنهى اتفاق أوسلو الانتفاضة الأولى ولم تهزم "إسرائيل" "إرهاب" الانتفاضة الثانية – خلافاً للرأي السائد – بفضل العمليات العسكرية فقط، فقد كان هناك إسهام جوهري لإنشاء جدار الفصل وتجديد الحوار السياسي مع السلطة الفلسطينية برعاية خريطة الطريق والانفصال, وأوضحت تلك الإجراءات أن "إسرائيل" أيضاً تدرك حدود استعمال القوة.
إن القدرة على إزالة تهديد عسكري لدولةٍ ما (أو شبه دولة في غزة) يمكن أن تعتمد فقط على تغيير إرادتها السياسية بأن تستعمل الوسائل القتالية التي تملكها، ولا يمكن أن يتحقق هذا التغيير بطريقة عسكرية فقط, إن "الردع" يفضي حقاً إلى كف جماح العدو، لكنه لا يفضي إلى سلبه قدرته على العمل العنيف, ولهذا يقوم على باعث سياسي أيضاً.
إن الجهد الهائل الذي حشده الجيش الإسرائيلي للقضاء على الأنفاق وكان ثمنه إطالة مدة الحرب مع ضحاياها من الطرفين، يجسد تجاهل هذا المنطق البسيط, فلن يمنع شيء حماس من أن تعود لتحفر الأنفاق وتستخدمها حينما يتجدد القتال, ولهذا ينبغي استخدام التحقيق في فشل الأنفاق للفحص عن سؤال ما الذي فعلته "إسرائيل" لإضعاف رغبة حكومة حماس في القتال، وكل ذلك والأدلة كلها تشير إلى أن حكومة "إسرائيل" عملت في تصميم مدهش على تحقيق رغبة حماس هذه في الأشهر التي أدت إلى الحرب, فعلى حسب تقرير صحفي لـ "عاموس هارئيل" ذكَرَت المجموعة الاستخبارية حتى تاريخ اندلاع القتال، لكن الساسة لم يفعلوا شيئا لمنع التصعيد بل بالعكس.
يجب أن يوجد في مركز التباحث في دروس الحرب الطريق السياسي لتجريد حماس من إرادة التسلح واستعمال السلاح، لا تقوية الخوف من الأنفاق والتباحث التقني في التغلب العسكري عليها.
الراصد العربي