عندما شرعت دعاء الزامل وخطيبها في رحلة عبر البحر المتوسط في سفينة صيد مصرية، شعرا أن حلمهما المقبل سيتحقق عما قريب.
وقالت الزامل لـ "الجزيرة الإنجليزية":" كنا ذاهبين للزواج في إيطاليا، من ثم العيش في أوروبا، لكننا لم نقرر أين تحديدا".
وتابعت ذات التسعة عشر ربيعا أنها وعائلتها فروا من مدينة درعا السورية التي مزقتها الحرب، وقضوا عامين ونصف العام في مخيم للاجئين في مصر، والذي لم يختلف حاله عن "مخيمات النسيان" في الأردن وتركيا ولبنان، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري.
وأضاف مراسل الجزيرة جون ساروبولس، الذي أجرى معها الحوار: "ما جمع دعاء و 500 آخرين، لم يكن أقل من القتل الجماعي في أعالي البحار، فقد أبحرت من الساحل المصري يوم السادس من سبتمبر، مع قارب مغطى بالبشر من المقدمة حتى المؤخرة في جميع طوابقه الثلاثة".
وتستذكر الزامل في اليوم الرابع من الابحار، "بين الساعة الثانية عشر والثانية ظهرا التقينا بسفينة صيد أخرى، طلب منا سائقوها أن نتوقف، رموا علينا قطعا من الخشب والمعدن، وبدؤوا بشتم قبطاننا، وبعد رفض قاربنا التوقف، باشروا بالاصطدام بنا، وانتظروا حتى تأكدوا من غرقنا وغادروا".
شاهد آخر التقى به ساروبولس وهو حمد رعد، حلاق فلسطيني من غزة، يبلغ من العمر 24 عاما، قال وقد رأى جريمة الاصطدام المتعمد: "ما إن ارتطمت السفينة، حتى بدأت بالميل يسارا، كنت أسمع صوت هلع النساء والأطفال في الجانب الأيمن، وبعدها بدأ الغرق من المؤخرة بسرعة، استمر الصراخ والضوضاء لحوالي 20 ثانية، وبعدها لم نسمع شيئا".
وأوضح رعد أنه سبح من خلال نافذة مفتوحة، وشاهد قوس السفينة تختفي عموديا تحت الأمواج.
وبيّن المراسل أن هوية السفينة الصادمة ودوافعها لا تزال لغزا، لكن خفر السواحل اليونانية ترجح أن المهاجمين ربما كانوا هم المهربون أنفسهم، في محاولة لاستعادة القارب لنقل مجموعة أخرى من الركاب، ونقل على لسان أحد كبار ضباط البحرية اليونانية، بشرط عدم الكشف عن هويته قائلاً: "نعتقد أن المهاجمين كانوا يحاولون نقل الجميع إلى قارب أصغر لأنهم بحاجة للقارب الكبير".
من بين الذين لقوا مصرعهم غرقا كان خطيب دعاء، التي قدرت أنه ما بين (100-125) شخصا نجوا في البداية، كانوا يمسكون بالحاويات البلاستيكية، وسترات النجاة، وبعض الألعاب القابلة للنفخ، لكن بعد ثلاثة أيام، جنح أكثرهم في البحر المفتوح دون طعام أو ماء، فلقوا حتفهم.
حكايات مروعة
ويجلس كلا من رعد والزامل في منزل خاص في خانيا بجزيرة كريت اليونانية، حيث تم إجلاؤهم عبر مروحيات القوات الجوية اليونانية بعد أن تم رصدهما من قبل طائرات دورية وجوههما مرقشة بالقروح، والجلد وردي بسبب حروق الشمس.
واستطرد رعد: "كان الرجال يتبولون في زجاجات ويعطوها لأطفالهم للشرب، وأنا نفسي تبولت في زجاجة وشربت منها".
بينما قالت الزامل: "مات بعض الناس نتيجة الإجهاد، بينما تمنى آخرون الموت، أحد الرجال نزع عن نفسه سترة النجاة وغرق، بعض الناس مات من الخوف، والبعض الآخر مات من البرد".
وعاد رعد قائلا: "في البداية، تشبث الناس معا في مجموعات، لكن تلك المجموعات كانت تقل يوما بعد يوم، وفي اليوم الثالث، فقد الناس صوابهم، فجاء شخصان إليّ يدعيان أنني أرتدي سترة النجاة الخاصة بهما، وحاولا إغراقي، العديد منا شعر بالخوف الشديد بعد ذلك".
ومع تضاؤل الأمل في الانقاذ، بدأ الناس باللجوء لتدابير يائسة، وكانت الزامل قد أصبحت محط اهتمام لأنها كانت متشبثة بإطار قابل للنفخ، وتقول والدمع ينهمر من عينيها: "جاء إليّ رجل وطلب مني أن أرعى حفيدته البالغة من العمر عاما واحدا، فوضعتها على إطاري، وأبقيتها تحت ناظري، ثم جاءت إلي أم مع طفلة عمرها 18 شهرا وطفلة أخرى تبلغ من العمر ستة أعوام، وطلبت مني ذات الطلب، بعدها شاهدت جد الطفل الأول وأم الطفلين الآخرين مع ابنتها يموتون جميعا، وتوفي الطفل ذو العام الواحد قبل إنقاذنا بوقت قصير".
وأضافت: "إن مهمة إنقاذ الأطفال ساعدتني في البقاء على قيد الحياة، وتمكنت من إنقاذ الطفلة ذات الـ 18 شهرا، والتي تعافت من الفشل الكلوي بعد يومين من العناية المكثفة في كريت".
موقع الجزيرة الانجليزية