قائمة الموقع

الحلقة (20): نتنياهو ومصيره بعد "العصف المأكول"

2014-09-24T16:11:25+03:00
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو
الرسالة نت- خاص

المعركة مع الاحتلال ما زالت قائمة وآثارها موجودة ، الصحف والساسة "الإسرائيليون" ما زالوا يتحدثون عن انتصار غزة على "إسرائيل"، ورئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو أصبح يعيش مستقبلا سياسيًا غامضًا، فالأخبار تتوالى في أكثر من ملف وسياق، تتحدث عن أزمة يعيشها البيت "الاسرائيلي" عامة ونتنياهو شخصيا.

نتنياهو الآن يعاني من أمور عدة أهمها ترتيب البيت الداخلي "الإسرائيلي"، فهو مؤخرا هرب من اجتماع عقده المؤتمر العام لحزب الليكود بمدينة عسقلان للحديث عن آثار المعركة ونتائجها على قطاع غزة والبيئة الأمنية التي تحصلت بعد المعركة، واختار عدم الذهاب لهذا المؤتمر والاكتفاء بعقد مؤتمر فرعي في مستوطنة قريبة من تل الربيع أداراها نتنياهو خلال اجتماع مصغر مع وزراءه وبعض قيادات حزب الليكود.

مؤتمر عسقلان حضره أكثر من 500 شخص من قيادات حزب الليكود والقيادات المجتمعية في جنوب الكيان، ونتنياهو اختار ألا يذهب لأن هناك بلورة داخل حزب الليكود قسمته إلى شقين، شق يؤيد نتنياهو والآخر يدعم اتجاهات معينة لصقور حزب الليكود.

من انعكاسات الحرب على قطاع غزة أن دائرة الانتقادات بدأت تتوسع داخل الليكود والبيت الداخلي "الاسرائيلي" وتأخذ بُعدًا انتقاديا كبيرًا، وهذا الأمر بات واضحًا في أروقة المؤتمر العام لحزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو، وكل هذا ليس معزولا عما يدور بأروقة الساحة الحزبية الإسرائيلية التي باتت تنقد حزب الليكود وبدأت تعيد الاعتبار لحالة معارضة.

نتنياهو خشي من الذهاب للمؤتمر بسبب النتائج التي ترتبت على الحرب على غزة، ودفع ثمنا كبيرا جراء المعركة على القطاع، وهذا الثمن كان حاضرًا وواضحًا في تركيبة الائتلاف الحكومي، ودفع أول هذه الأثمان حين كان النقاش داخل الحكومة "الإسرائيلية" على شكل الردود على قطاع غزة، وأصبح هناك فصالا ما بين تركيبة الائتلاف الحاكم وتحديدا بين كتلة حزب الليكود البرلمانية وتركيبة الحزب الاسرائيلي المتحالف مع نتنياهو "اسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان.

هذا الانشقاق كان مقدمة لمستقبل الخارطة السياسية داخل الكيان، والذي أعيد الاعتبار فيه لأحادية التمثيل داخل الكنيست "الاسرائيلي" لكتلة نتنياهو التي باتت تشكل 20 مقعدا فيه.

التشكيل الجديد بات واضحًا أنه أيضا ينشق على نتنياهو، بمعنى أن هناك معارضة حقيقة داخل كتلة الليكود القريبة من نتنياهو والتي باتت تعارض توجهاته في هذه المرحلة، تُضاف إلى ذلك الأحزاب الاخرى المنطوية تحت الائتلاف الحكومي، وهي "حزب الحركة" وهو حزب ضعيف له ستة أعضاء من الكنيست، و"إسرائيل بيتنا" الذي يمثله أفيغدور ليبرمان والآن هو يعيش حالة خصومة مع حزب الليكود، وحزب "البيت اليهودي"  بقيادة نفتالي بينيت.

الحزبان الأخيران يصعّدان من هجومهما وانتقادهما لأداء نتنياهو، وهذا النقد بدأ باليوم السابع عشر من المعركة، وحجم الخصومة ما بين الحزبين والليكود تبلور إلى اتجاه يحاسب ليبرمان في كل ثكنة من ثكناته، وهو ما منع نتياهو من عقد جلسات الحكومة الإسرائيلية الثلاث التي كان من المقرر عقدها بعد المعركة على القطاع، إضافة أن نتنياهو بعد الحرب لم يجتمع بالكابينت "الإسرائيلي" بكامل هيئته، خاصة أن الملفات المطروحة على طاولة البحث في الحكومة الإسرائيلية ملفات كبيرة.

حتى وزير المالية "الإسرائيلي" "يائير لابيد" المتحالف مع نتنياهو، كان يتحدث بشكل واضح عن تحالف يمكن أن يفضي لحالة اتفاق على أن تخرج الموازنة عام 2015 للنور، مما ينزع فتيل الأزمة داخل الحكومة "الاسرائيلية"، إلا أن نتنياهو لم ينجح في بلورة هذا الأمر واستغلال هذه الفرصة حتى.

لابيد يسعى إلى خسائر بالحد الأدنى، خاصة أن استطلاعات الرأي تحطم حزبه وهو يصر على ملفات اجتماعية، لا يريد أن يخسر الانتخابات بالموافقة على رفع الضرائب، فهو يميل إلى حالة عاطفية على المجتمع ولا يعتزم رفع الضرائب، كما يريد إعفاء الأزواج الشابة من الضريبة المضافة التي تصل إلى 18% من وصول المشتريات كالشقق مثلا ويحاول اعفائهم منها.

في المقابل، فإن نتنياهو يريد أن يلتصق بالحالة الأمنية بمحاولة التحالف مع "الصقر" داخل حزب الليكود "موشيه يعالون" ويرى أن هذا التحالف الثنائي، يمكن أن يمكّن لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" حالة تواجد حقيقية داخل حزب الليكود، ويريد رفع ميزانية الجيش.

التراشق غير المسبوق الآن بين وزارة المالية ووزارة الحرب "الاسرائيلية". وزارة الحرب تقول أن التكلفة للحرب على غزة بلغت 9 مليار شيكل ونصف، في حين تكّبها وزارة المالية وتقول بأنها بلغت 6 مليار ونصف.

نتنياهو وقع في أزمة ما بين الوزيرين، وزير يتهم بالكذب، ووزارة تطلب المزيد من الدعم تحت دائرة الكذب، وأيضًا فهو يعيش أمام المجتمع "الإسرائيلي" بحالة من الدفاع عن وزارة الدفاع وأيضا التشكيك في مستوى الحالة الموجودة.

منذ الحرب على غزة أصبح نتنياهو أضحوكة الإعلام "الإسرائيلي"، فهو في الماضي تحدث عن نفسه أنه الشخصية الأقدر على حكم إسرائيل والشخصية التوافقية المثلى والشخصية الحاضرة صاحبة القرار الاستراتيجي والتي يمكنها أن تحكم إسرائيل طويلا بحالة من الاستقرار الاقتصادي، ويسمى في "إسرائيل" "ملك الحكومات صاحبة الاقتصاد".

نتنياهو الآن في الاعلام يعيش عدة أزمات، أولها كونه داخل دائرة الطعن في كل هذه الشخصيات الخمس السابقة، كما يحيى حالة ارباك على مستوى حزبه، ودائرة أزمة الائتلاف الحكومي وأيضا أزمة بصورته في وسائل الاعلام "الاسرائيلية".

الآن يعتبر رئيس الوزراء "الاسرائيلي" شخصية فشلت ولم تعد مقنعة للشارع "الاسرائيلي"، وبناء على ذك فإن هذه التركيبة الخماسية المأزومة أصبح مجتمعه يرصدها ببعد تمثيلي ويقرأها جيدا، فالنقاش داخل المجتمع "الاسرائيلي" الآن يدور حول: "هل هذه الشخصية قادرة على أن تمثلنا". وهذا ما يمنع نتنياهو من الذهاب إلى قرارات خطيرة ضد قطاع غزة.

نتنياهو ذاق نار غزة ووعي حالة الحساب الكبير له من الحكومة "الإسرائيلية" والوزراء وأعضاء الكنيست غير المقربين له، إلا أنه يدرك أيضا أنه أمام حساب أكبر الأيام القادمة يمكن أن يكون في الكنيست بعد انتهاء ما يسمى بالدورة الشتوية وعطلة الصيف، نتنياهو سيدخل الكنيست "الاسرائيلي"، وأول الملفات المطروحة على جدول أعمال الكنيست "ماذا حققت الحرب على قطاع غزة".

السياسيون "الإسرائيليون" يرون أن هناك أزمة حقيقية، ونتنياهو لا يستطيع أن يبرر للحكومة كيف أوقف النار وكيف يمكن لوقف إطلاق النار أن يستمر، والحكومة "الاسرائيلية" لا زالت مُصادرة بيد نتنياهو.

بُعد آخر في أزمة الحكومة "الإسرائيلية" وداخل تركيبها، منع اجتماع الحكومة الإسرائيلية ثلاثة مرات -والإعلام الإسرائيلي يسأل كثيرا لماذا ألغيت- وهو خشية نتنياهو من الحساب من الحكومة والوزراء والمجتمع الاسرائيلي.

كبار الباحثين الاستراتيجيين على مستوى الكيان خلال الأيام الماضية باتو يسألون نتنياهو ثلاثة أسئلة:

- ما هي الأهداف الاستراتيجية التي تم تحقيقها في الحرب على غزة ؟

- هل أعيدت حالة الردع -ويجيبون أيضا بالنفي- ؟

- ما مستقبل الكيان "الاسرائيلي" بعد الحرب على غزة ؟

وهذه الأسئلة مجتمعة هي سبب خشية نتنياهو من الكنيست "الاسرائيلي".

من خلال الاستقصاء والبحث، فإن نتنياهو يعيش مأزق كبير في وضع إسرائيل الاستراتيجي، بمعنى أن المعركة التي دارت بين "إسرائيل" ومقاومة غزة وضعت "اسرائيل" على المحك الاستراتيجي.

ماذا صنعت المعركة على قطاع غزة ؟

رغم أن العديد من الأزمات لا زالت قائمة بقطاع غزة، فهناك بيوت مدمرة ومعابر لم تفتح وحالة من الأزمة يعيشها المجتمع الفلسطيني على البعد الانساني، إلا أننا لا بد أن ندرك أن المعركة صنعت في البعد الاستراتيجي أربعة قضايا مهمة.

أولا : الجيش "الاسرائيلي" اليوم لا يستطيع أن يمد سلاحه تجاه قطاع غزة.

ثانيا: أن إسرائيل لن تستطيع أن تمد سلاحها خارج منظومة حدودها، بمعنى أن الحروب الاستراتيجية باتجاه ايران أو لبنان أو سوريا سقطت وألغيت.

ثالثا : اسرائيل تعيد الاعتبار لتكوين جيشها، فهي الآن شكلت 14 لجنة تحقيق من أجل محاسبة الجيش وإعادة تقييم قوته وأدواته في المعركة.

رابعا: الشعب الفلسطيني لأول مرة يعيد تركيبة وضع الكيان على مقاساته، بمعنى ان "إسرائيل" بدأت تعيد انتشارها وتكوينها، والاحتلال بدأ يسير على مقاسات الشعب الفلسطيني الذي أصبحت ضيقةً على "إسرائيل" وتكبلها، كما أنها أعادت الاعتبار لدائرة القدرة والقوة برغم حالة الألم الموجودة.

الأركان الأربعة السابقة نُقلت إلى حِجر نتنياهو الذي عليه إعادة الاعتبار لمنظومة الحكومة الإسرائيلية، والكثير من المحللين يقولون بأن نجم نتنياهو أفل عند حدود قطاع غزة، وأفل معه نجم المنظومة العسكرية الممثلة بالكابينيت "الاسرائيلي".

ما يفكر به "الاسرائيلي" اليوم هو "إن كانت معركة استمرت 51 يومًا لم تستطع إسقاط حركة حماس واحتلال قطاع غزة، ففي معركة أخرى كم ستستمر حتى تحقيق ذلك، وكم هي الخسائر التي سنتكبدها، وما الخطط الاستراتيجية التي تعدها المقاومة بغزة "، إضافةً إلى العديد من الأسئلة المعقدة.

موشيه يعالون مؤخرا تحدث بأن اسرائيل لا تتجه لعملية عسكرية ضد قطاع غزة، إنما تتجه لإعادة اعمار غزة -بحسب اتفاقات القاهرة-، بالتالي نحن أمام حالة من "التكتكة" في الملفات ، كما أن المقاومة الفلسطينية لا زالت تملك أوراقا وتعيد الاعتبار بأنها حاضرة على الأرض.

المقاومة الفلسطينية عليها ان تجد حلولا خلاقة بالحد الادنى لما يجري بقطاع غزة، كما أن على المواطن فيها أن يفهم بأن دوائر الحصار الاسرائيلية والعربية والفلسطينية ما زالت حاضرة وقوية، بالتالي نحن بحاجة إلى المزيد من الصبر حتى تحقيق الانتصار حقيقةً.

مؤخرًا شهدنا إطلاقا للصواريخ من مناطق مختلفة باتجاه إسرائيل، ما يعني أن حتى الفصائل السورية المتناحرة بعد المعركة على قطاع غزة أعيد لها النفس على امكانية أن تُنقل المعركة خارج حدودها وتجاه إسرائيل، كما أن حزب الله بات يفكر في إعادة الاعتبار لنفسه وشن هجمات تعيد الاعتبار لتركيبته ومعنوياته وحضوره بالشارع العربي بمقارعته لإسرائيل.

بعد الحرب على قطاع غزة فُتحت شهية "الكرامة" للكثير من المحيطين بإسرائيل، لذا فلا بد أن تؤدى التحية لقطاع غزة وشعبه وفصائله وتكويناته كافة، وأن تؤخذ الدروس والعبر من صبر غزة ومقاومتها وثباتها.

اخبار ذات صلة