قدّم روبرت سيري المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط خطة تهدف لإعادة اعمار غزة مع إبقاء الحصار والتدهور في الاقتصاد الغزّي.
وأجمع المختصون ورجال الأعمال الفلسطينيون رفضهم للخطة، مؤكدين أنها تجميل للحصار، وتهدف لإبقاء غزة تحت السيطرة الكلية للاحتلال، في حين وافقت عليها سلطة رام الله ولم تعترض على أي من بنودها.
ودمّرت (إسرائيل) آلاف المنشآت السكنية والصناعية في الحرب الأخيرة التي بدأت في السابع من يوليو/ تموز الماضي واستمرت لـ 51 يومًا.
السلطة موافقة!
ومن جهته أشاد نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى بالخطة التي قدمها ممثل الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنها تقوم على تسهيل دخول جميع مواد إعادة الإعمار إلى قطاع غزة تحت رقابة المنظمة الدولية في استخدامها.
وتتضمن الخطة التي وافقت عليها السلطة و(إسرائيل)، آلية رقابة وفق نظام حاسوبي، تشرف على إدخال واستخدام جميع المواد اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في غزة.
وقال مصطفى في تصريح صحفي: "قبلنا الخطة لأنها تسهم في تسريع إعادة الإعمار، وتقدم ضمانات للدول المانحة في شأن هذه العملية، الأمر الذي يشجّعها على تقديم العون اللازم لإعادة الإعمار في المؤتمر المقبل، لكننا نطالب برفع الحصار كاملا عن قطاع غزة".
وأوضح أن الأمم المتحدة والشركات الخاصة ستُدخل مواد الإعمار إلى غزة، وأن الأمم المتحدة ستتولى الرقابة على استخدامها داخل القطاع.
وتابع: "سلطة المعابر الفلسطينية تجري اتصالات مع نظيرتها (الإسرائيلية) لتوسيع معبر كرم أبو سالم لزيادة قدرته على إدخال مواد البناء المطلوبة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في غزة".
وجمعت الأمم المتحدة أكثر من نصف مليار دولار للإغاثة والإسكان المؤقت في غزة قبل أن يُعقد مؤتمر إعادة الإعمار في القاهرة في الثاني عشر من شهر أكتوبر المقبل.
وقالت مصادر أممية إن الاتفاق ينص على إدخال مواد البناء لإعادة إعمار القطاع، سواء لمنظمات وجهات دولية، أو للقطاع الخاص الفلسطيني والتجار.
وأضافت المصادر: "الاتفاق يتضمن زيادة أعداد الشاحنات المسموح لها بتحميل البضائع من معبر كرم أبو سالم".
تجميل للحصار
وبدوره أكد المتخصص في الشأن الاقتصادي الدكتور ماهر الطباع أنه سادت حالة التشاؤم بين أوساط رجال الأعمال والمواطنين بعد الاعلان عن التوصل لاتفاق ثلاثي بين السلطة و(إسرائيل) والأمم المتحدة للبدء في ادخال مواد البناء الضرورية لإعادة اعمار القطاع.
واعتبر الطباع في حديث لـ"الرسالة نت" الاتفاق تجميلا واستمرارا لحصار القطاع برعاية دولية أممية وليس إنهاء الحصار كما جرى الاتفاق عليه في مباحثات القاهرة لوقف إطلاق النار.
وقال الطباع: "يفرض الاتفاق الثلاثي رقابة أمنية صارمة وشديدة على كل تفاصيل إدخال مواد البناء، وتجهيز قاعدة بيانات تراقبها (إسرائيل) تشتمل على مجمل المشاريع والقائمين عليها، وحصول مورد أو موزع مواد البناء على ترخيص من حكومة رام الله وكأنه لا توجد حكومة وفاق وطني".
ولفت إلى أنه لن يكون هناك عملية إعمار جدية وسريعة ولا رفع للحصار، معلّلًا ذلك بقوله: "القطاع لا يحتاج فقط للإعمار بل يحتاج للعديد من المشاريع التنموية المتوقفة على مدار ثماني سنوات من الحصار".
ووفق الطباع فإن المشاريع القطرية التي تنفذ في القطاع وساهمت في خفض معدلات البطالة، فلن تسلم من الاتفاق الثلاثي حيث أن الإسمنت الذي يدخل عن طريق معبر رفح سيتوقف.
وينص الاتفاق أيضًا على أنه لن يكون هنالك نقطة لدخول مواد البناء إلا من خلال معبر "كرم أبو سالم" ولاحقا معبر بيت حانون "ايريز"، وذلك لتضمن "الأونروا" أن تكون هنالك رقابة كاملة على ما يدخل من مواد بناء إلى القطاع.
وكانت الشركة الدولية شيلتر كلاستر قد قدّرت المدة التي سيتم بها اعمار القطاع وفق خطة سيري بعشرين عامًا في حال جرى ادخال 400 شاحنة يوميًا، مستندةً بذلك على قدرة معبر "كرم أبو سالم" التشغيلية.
وطالب المتخصص الاقتصادي المجتمع الدولي والمؤسسات والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ورعاه السلام واللجنة الرباعية بممارسة الضغط الجاد على (إسرائيل) من أجل فتح جميع معابر القطاع أمام حركة الأفراد والبضائع والعمل على إنهاء الحصار بشكل فوري.
ورأى الطباع أن القطاع يحتاج أكثر من ألف شاحنة يومية دون قيود أو شروط أو تحديد للكم والنوع من البضائع حتى تسير عملية إعادة الاعمار بسهولة، في حين أن الطاقة الاستيعابية للمعبر الوحيد في خطة سيري -كرم أبو سالم- سترتفع من (400- 800) شاحنة كحد أقصى مع وجود قيود.
الحصار مستمر!
ويتفق المحاضر بكلية الاقتصاد في جامعة النجاح الدكتور نافذ أبو بكر مع سابقه في أن خطة سيري لا تؤدي لرفع الحصار، وتحتاج لمدة تزيد عن عقد من الزمن للانتهاء من الاعمار إذا ما سرنا عليها.
وقال أبو بكر في حديث لـ"الرسالة نت": "ليست هذه هي الطريقة التي يريدها الفلسطينيون للإعمار، فهي تتضمن اشرافا كاملا ودقيقا للاحتلال على عملية الاعمار وهو ما يعيدنا للمربع الأول من الحصار".
وأكد أن ما يحتاجه الفلسطينيون هو فتح المعابر كافة وتوفير ممر آمن وانشاء مطار وميناء، وانهاء كلي للحصار، مشدّدًا على وجوب أن يكون التزام دولي من الاحتلال على عدم إعادة استهداف غزة وتدميرها بعد إعادة الاعمار.
وأضاف أبو بكر: "الخطة لا تلبي احتياجات الغزيين، ولا تؤدي إلى إنعاش اقتصاد غزة المدمر، فالإعمار لا يقتصر على بناء المنازل المدمرة، فهناك مشاريع تنموية ومرافق ومستشفيات وطرقات بحاجة لبناء".
واختصر الأكاديمي أبو بكر وصف خطة كيري بأنها "اعمار مع بقاء الحصار".
وفي ذات السياق ساد جو من الامتعاض في اجتماع رئيس السلطة محمود عباس مع قرابة ثلاثين رجل أعمال غزّيين في مقر المقاطعة برام الله مساء الأربعاء من الأسبوع الماضي.
ووصف أعضاء الوفد خلال اللقاء، خطة سيري لآلية ادخال مواد البناء إلى غزة بأنها تشكل مرحلة انتقال من حصار إلى آخر وبموافقة من السلطة، معربا عن مخاوفه أن تكون معالم المرحلة المقبلة في أفضل أحوالها مجرد مرحلة جديدة لإدارة الحصار (الإسرائيلي) المفروض على غزة وإطالة أمد الاحتلال.
واختتم المتحدث مداخلته بقوله: "كان من الأفضل أن تراقب الأمم المتحدة الحدود بدلا من مراقبتها لدخول مواد البناء"، قبل أن يرد عباس بإيماءة استياء بدت جلية على وجهه، وليؤكد للمتحدث بلهجة حازمة أن آلية سيري ستكون الوحيدة المعتمدة لإعادة الإعمار ودخول مواد البناء وأن الإعمار سيسير سواء بسطت حكومة التوافق سيطرتها على غزة أو لم تبسط.
وفيما يتعلق بمؤتمر إعادة الإعمار المزمع عقده في 12 الشهر المقبل وفرص التمويل، توقعت مصادر أن يكون هناك تمويل سخي، لكنها استدركت وقالت إنها تريد ضمانات بعدم تدمير ما يتم بناؤه مرة أخرى.