قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: سنبلة وسيف.. في حضرة سيدة المقاومة وأم الشهداء

مصطفى الصواف

تمنيت أن تكون لي أما، أو أختا كبرى ، فكانت بمثابة الأخت الكبرى ، عشقت فيها الرجولة رغم الأنوثة الفياضة التي تتمتع بها ، عصية قوية متماسكة وأنت تنظر إليها تشعر أنك أمام جبل أشم لا ينحني إلا لخالقه أو لتقبيل شهيد أو لوداع مجاهد.

"سنبلة وسيف" رواية انتهيت من مطالعتها منذ أيام قليلة كانت أكثر من رواية أدبية أو سيرة ذاتية، بل كانت تاريخا وجغرافية وسياسة وجهادا ونضالا وتضحيات ورجولة وأنوثة، ثورة وبركانا جامحا وحبا لا ينضب ووجعا يبكي المقل ويجعلك تعيش الوجع بكل تفاصيله.

"سنبلة وسيف" كتبها الدكتور عطا الله أبو السبح ولا ادري لماذا اختار هذا العنوان الذي ربط الأرض بالسماء وجمع بين النماء والارتقاء، سنبلة تعني حياة مليئة بالخير والعطاء،  والسيف فيه القوة وفيه الإباء ، يعني أن الزرع يحميه السيف، يعني أن الأرض والسيف متلازمتين بلا انفصال، سنبلة وسيف في يد امرأة ليست ككل النساء، يد زرعت من أجل الحياة وحملت السيف من أجل البقاء.

كانت نعم الأم ، ونعم الأخت،  ونعم الرفيق، ونعم المناضلة والمجاهدة الصابرة المقدامة التواقة نحو السمو والعلا والشهادة، إنها أم نضال مريم فرحات التي جسدها أبو السبح في روايته سنبلة وسيف فكان بليغا حنونا رقيقا فأحسن الوصف، وجمع في روايته تاريخ شعب مختصرا في نموذج حي كان بمثابة أيقونة للنضال ، فعندما تذكر أم نضال، يذكر الشهداء، تذكر البطولة والفداء، يذكر المنجى والملجأ يذكر بيت الأبطال الذي جمع الرجال بأم الرجال منهم من ولدت ومنهم من كانت له أم دون أن تلده، عندما تذكر أم نضال يذكر عماد عقل، عندما تذكر أم نضال يذكر كيف تعد الأم من تحب وتقدمه لله عن طوع وطيب نفس، بل وتجهزه بالعتاد العسكري وتزوده بالعتاد النفسي وبالتوصية بألا يعود إلا شهيدا، عندما تذكر أم نضال يذكر محمد فرحات، عندما تذكر أم نضال تذكر قيادة العمل النسوي العسكري والدعوي.

يا لها من امرأة جمعت في شخصها كل الصفات فجمع أبو السبح بحبكة الأديب والكاتب المجيد والشاعر المفعم بالحب والنغم والطرب فحول حياة أم نضال إلى معزوفة في موسيقى الشعر والنغم، موسيقى الفرح والبكاء، ذلك كله في روايته سنبلة وسيف، أضحكني وأبكاني، شدني وناداني وأخذني بعيدا ورمي بي في بحر من الأحزان والذكريات ولكني وأنا أقرأ كنت أشعر أنني أمام أم نضال اسمع صوتها وكأنها تروي لي حكايتها التي اعرف بعض فصولها، تجدني أحيانا التفت نحو همس وإذا بالهمس كلمات في سطور الرواية.

إنها أم نضال مريم فرحات عرفتها عن قرب أحببتها ولكن ليس ككل الحب، حب في الله ولله ومن أجل الله، كنت أتمنى أن أكون في وداعها يوم أن فارقت الحياة إلى حياة أرحب وملتقى الأحبة محمد صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام من الشهداء والصديقين، ولكن حال بيني وبين وداعها سفر بعيد ولكنني بكيتها ودعوت الله لها بالرحمة والقبول وأن يحشرها الله مع من أحبت.

أستاذي وحبيبي أبو علاء أبو السبح شكرا لك على ما أبدعت فأوجعت وأطربت، ووصفت فأحسنت، كنت رائعا كما أعرفك ناعما مرهفا ذواقا وزادتك السنبلة والسيف نضارة وشاعرية وكشفت فيك كيف طوعت اللغة وحولت كلمات الرواية إلى تاريخ ينبض بالحياة فجسدت سيدة الجهاد والمقاومة أم الشهداء في مقطوعة نثرية على غير ما عرفت من أدب القصص والروايات، فكانت الكلمات والسطور تروي عن نفسها وكأن صاحبتها ترويها بصوتها وترانيمها وهمساتها وهمهماتها وحنانها وعطفها وخلقها المستقى من كتاب الله وسنة نبيه.

رحمك الله يا أم نضال وأسكنك فسيح جناته وجمعك بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ومع الشهداء الياسين المربي وإخوانه الكرام ومع الأحبة عماد ومحمد ونضال ورواد وغيرهم وغيرهم من الشهداء ومن سيأتي بهم لاحقا.

 

البث المباشر