إن كنت من غزة المكلومة ستلهج بالدعاء للرحمن حين تخرج من السجون المصرية سالمًا غانمًا دون أي صدمة أو مرض نفسي.
288 ساعة عناوينها الرعب والجوع عاشها 41 مهاجرا فلسطيني في أحد سجون المدينة "المحروسة" الإسكندرية، بعدما ألقت السلطات المصرية القبض عليهم على متن قارب كان ينوي الإبحار بهم إلى سواحل إيطاليا.
بنهم.. تناول الشاب محمود خليل _ اسم مستعار_ المهاجر غير الشرعي وجبة الطعام التي قدمت له فور تسليم السلطات المصرية للجانب الفلسطيني بغزة. امتلأت معدته وأخذ قارورة ماء ليروي ظمأه.
بداخل مخفر شرطة رفح التقت "الرسالة نت" بذاك الشاب المنهك. أعاد رأسه إلى الوراء ثم صمت برهة، وقال: " 12 يوم أسود عشناها داخل السجن، كنا راح نموت من الجوع والخوف".
كانت طيلة الفترة التي عاشها المهاجرون في ذاك السجن المجهول، يتعرضون لأفظع الشتائم من السجانين هناك، وفق الشاب محمود.
أخذ قارورة المياه وشرب جرعة جديدة ثم تابع: "ذقنا الويل هناك لدرجة دخول الحمام كان بفلوس".
قطع حديثنا زميله عبد الرحمن _اسم مستعار_ حين قال: " كانوا يطعمونا وجبة واحدة خفيفة طول اليوم, والباقي كنا نشتريه على حسابنا، سعر ساندويتش الفلافل 100 جنيه".
نجا المهاجرين من الموت المحقق قبل اعتقالهم بعدما خاضوا "رحلة الذل"، التي بدأت من أنفاق رفح وصولًا إلى قارب في بحر الإسكندرية، نشرت تفاصيل تلك الأحداث في تقرير سابق لـ"الرسالة نت".
طوال فترة السجن كان ينام السجناء في ممر لا يتجاوز مساحته 6 أمتار. أجسادهم ملتصقة في بعضها دون غطاء، ناهيك عن الرائحة الكريهة.
المعروف عن السجون المصرية أنها بقعة من جهنم كما ذكر عدد من المعتقلين الفلسطينيين سابقًا في مقابلات صحافية، حين تعرضوا لإهانات وتعذيب باستخدام الكهرباء والصعق في جميع أنحاء الجسد وخصوصا المناطق الحساسة. ووفاة يوسف أبو زهري داخل السجون المصرية خير دليل.
يكمل عبد الرحمن: "السفارة الفلسطينية لم تقدم لنا أي خدمات أو طعام طيلة الفترة وخصوصا السفير جمال الشوبكي الذي كان على علم بحجزنا الا انه لم يحرك ساكنًا بالتدخل في قضيتنا".
عاد محمود إلى الحديث معنا: "كان معنا أطفال في نفس المكان, ما كان مسموح نتواصل مع أهلنا حتى نطمئنهم علينا".
آلة الطحن الإسرائيلية جعلت مئات الشبان بغزة يصعدون على مركبة الموت. تتلاطم آمالهم بين أمواج البحر. منهم من وصل إلى شاطئ الحياة وآخرون صعدت أرواحهم إلى السماء ومنهم من سجنتهم "أم الدنيا" وأرجعتهم إلى غزة المكلومة.