رقدوا بسلامٍ في حضن الكفن، يكملون أعمارهم على تراب قبورهم. فقدوا ألعابهم ومعايداتهم بعيد الأضحى المبارك؛ بعدما أغارت عليهم "إسرائيل" بمئات الأطنان من المتفرجات لـ(51 يومًا)، ليرتفع عددهم إلى (530 طفلٍ غزي).
اليوم.. ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، خطّت عصره مجموعة من الشباب أسماء أطفال غزة الشهداء على "بلالين" بألوانٍ تقارب أحلام الصغار.
لم تكن أعداد المشاركين بضخامة الدعوات من احدى الفصائل، فهي مبادرة لاقت قبولًا من مجموعة شبابية، حضرت لآخر نقطة في ميناء غزة. مصطحبة معها عددًا من "البلالين"، وأقلام "اللبّاد"، وقائمة بأسماء الشهداء الأطفال.
وبالقرب من شاطئ البحر، وعلى نغمات اصطدام الموج بجدران الميناء، تقف الفتاة وفاء الزعانين، تنفخ بأنفاسها "بالونًا" أحمر اللّون، وتخط عليه اسم ابن خالها الطفل الشهيد محمد أبو مسلم (10 أعوام)، الذي قصف منزله بصواريخ الاحتلال فقضى شهيدًا وعائلته على اثر ذلك.
" أشعر بغصّة ألم كلما أكتب اسم طفلٍ شهيد على احدى البلالين، وأرى صور الكثير من الأطفال وكأنّها تنظر إلي وأنا أخط أسماءهم(..) تمنيت لو أنّ روحي ذهبت لباريها بدلًا من طفلٍ صغير". بهذه الكلمات تتحدث طالبة الطب، وفاء.
دومًا ما تحدث نفسها وهي تنظر لأخوتها لو أنّها فقدت أحدهم، كيّف ستقضي بقيّة أيامها، محمّلة الاحتلال مسؤولية قتله للصغار. وتضيف " قتل الطفولة في غزة، فقضى على ما يزيد عن خمسمائة طفل"، ثم تتساءل طالبة الطب " أهؤلاء هم الإرهاب؟!".
وعن كتابتها بالتحديد أسماء الأطفال الشهداء على "البلالين" تعقب وفاء " نعيش بثالث أيام عيد الأضحى المبارك، وهم شهداء عند ربهم يرزقون، ولم يحظوا بفرصة العيد وشراء ألعابهم كغيرهم بدول العالم، فأحببت أن أوصل رسالة بعدما أطيّر البالون واسم الطفل عليه مفادها أن ذكراكم خالدة في أذهاننا".
وعلى مركبٍ سياحي صعدته الطفلة لينا بدر هي وعائلتها، حملوا بأيديهم مجموعة من أسماء الأطفال المكتوبة على "البلالين"، وتقدموا إلى عرض البحر ليلقوها في اتجّاه الرياح تصعد إلى حيث الأفق البعيد.
وأثناء عودة العائلة، عقبت الطفلة بقولها " كتير أطفال متلي استشهدوا لمّن راحوا يهاجروا على إيطاليا، وما حضروا العيد معنا، ماتوا ولكن احنا برضه بنتذكرهم ومش ناسيينهم".
ولم يتوقف الأمر على الأطفال الراحلين في عرض البحر، فقد كتبت اسم طفلٍ من أصدقاء روضتها، -رحل إلى الخلد، بعدما قصفته طائرات الاحتلال وعائلته بصواريخها-، وأطلقت بالونها الأحمر في عرض بحر غزة.
وتنهي لينا حديثها مع "الرسالة نت" بقولها، " إسرائيل قتلته.. وأنا راح أظل ذاكراه".
أما فيما يتعلق بالفعالية، تخبرنا منظمتها بيسان حميد(22 عامًا)، أنّ الفكرة تبادرت لذهنها أثناء ملاعبتها لأطفالٍ صغار في مراكز الإيواء فترة العدوان على القطاع، وأرادت أن تغتنم فرصة عيد الأضحى، وتعلن عن مبادرتها التي لاقت قبولًا من المحيطين بها، ومن حصلوا على إشعارٍ عبر "الفيس بوك"، بوجوب المشاركة.
تقول بيسان " كانت الفكرة ربما بسيطة، لكنّي لامست قيمتها بعيون الصغار الذين شاركونا في هذه الفعالية، وعبّروا عن سعادتهم بها".
وتوضّح عن آلية نشر دعوتها، تقول " اتفقت مع صديقةٍ لي على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، أن نصمم إعلانًا حول هذه الفعالية للمشاركة، ولاقت قبولًا من الكثيرين.
وطالبت بيسان من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن " يتوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ليقدم ورقة محاكمة ضد الاحتلال "الإسرائيلي" الذي انتهك كل القوانين الدولية بقتله للأطفال والمدنيين العزل في غزة". وفق قولها.
(عدسة: محمود أبو حصيرة)