غزة- محمد بلّور
أول من سيعود إلى الضفة المحتلة من مبعدي كنيسة المهد هو العميد عبد الله داوود 48 عاما خلافا للبقية الصامتة في غزة وأوروبا .
فرد داوود شراع العودة في قارب الإبعاد خاصته وسيبحر من الجزائر باتجاه فلسطين التي فارقها مكرها ومبعدا مرتين الأولى عام 1992 والثانية عام 2002 .
الآن يرقب رفاقه من مبعدي كنيسة المهد في غزة وأوروبا كيف سيعود من تحرّك بينهم 39 يوما راسما بكفه خطة التصدي للجنود ومقسما الحراسة الليلية بينهم .
وكان داوود مدير مخابرات بيت لحم السابق أبعد إلى قبرص ثم إلى موريتانيا و انتقل قبل فترة وجيزة للعمل في السفارة الفلسطينية بالجزائر حتى أعلن عن استشهاده قبل أيام بعد نزيف حاد وانفجار في شريانه التاجي أدى لوفاته أثناء العملية الجراحية.
ولم يحد داوود كغيره ممن تقلد إدارة مخابرات بيت لحم فاتجاهه الوطني جسّد علامة فارقة انعكست على إدارته وتعامله مع المقاومين وقد نال احترام وتقدير كل من عايشه في الضفة المحتلة .
سامي كنعان المتحدث باسم مبعدي كنيسة المهد في قطاع غزة أكد للرسالة أن داوود من أسرة مناضلة فله شقيق شهيد وشقيقة أسيرة محررة .
أما داوود نفسه فقد اعتقل في الانتفاضة الأولى عدة مرات مجموعها 7سنوات حتى أبعد عام 92 إلى خارج الوطن عقب حصار الاحتلال لجامعة النجاح ثم عاد مع مجيء السلطة الوطنية.
مديرا للمخابرات
عمل داوود في الأجهزة الأمنية الفلسطينية حتى تقلد إدارة المخابرات في بيت لحم وقد نشط في العمل المقاوم مع قادة العمل الوطني والأجنحة العسكرية بالضفة المحتلة وخاصة نابلس وبيت لحم .
ويصف كنعان الشهيد داوود بالقول:"هو مسئول من نوع دائما بجوار المناضلين وقد رافقهم خلال عملية السور الواقي ولم يختفي كبقية المسئولين بل رافق المقاومين في بيت لحم حتى حوصر معنا 39 يوما " .
أما المبعد في غزة مؤيد الجنازرة فيصف داوود للرسالة بالقول:"عرفته ملتزما دينيا حتى أنه لا يرد على مكالمات من لا يقول السلام عليكم وهو رجل محب للوطن بشكل غير طبيعي وأثناء عمله في بيت لحم دعم المقاومين في كتائب الأقصى ماديا ولوجستيا وانعكس انتماؤه على العاملين معه في المخابرات" .
ويتحلى داوود كما يذكره الجنازرة بصفات قيادية فهو كتوم يعمل بصمت يستغل كل دقيقة للعمل مضيفا:"قبل حصار الكنيسة مباشرة كنت معه فنادى احد المقاومين وأعطاه 2000شيكل وقال له هذا لتمويلكم" .
وأشار الجنازرة إلى أن داوود شارك في مقاومة الاحتلال في عملية اجتياح المخيمات التي سبقت عملية السور الواقي حين اجتاح الاحتلال مخيم الدهيشة وأرسل مقاومين لحماية المخيم وظل يتنقل حتى حوصر منفردا في سوق بيت لحم القديم حيث تمكن من الإفلات بصعوبة .
تعرَّف المبعد حاتم حمود 35 عاما على داوود حين كان معتقلا في مخابرات بيت لحم مطلع الانتفاضة فأضاف للرسالة:"شخصيته مختلفة فهو مناضل ومكافح وله تاريخ مشرّف وعرفناه دوما في الميدان ففكره مقاوم وانتماؤه فقط لوطنه" .
أما المبعد في غزة ناجي عبيات من بيت لحم فاتفق مع سابقيه مشيرا إلى شخصية داوود المؤثّرة ودوره في مقارعة الاحتلال والتصدي لمخططاته .
كنيسة المهد
كنيسة المهد ورحيل داوود ترش الملح على جراح مبعدي بيت لحم فالماكثين في غزة و أوروبا فلا يملكون إلا مزيدا من الانتظار لما هو مجهول .
بين جدرانها العتيقة أنجبت كنيسة المهد ذكريات لا تنسى مع داوود , لقد جال في ممراتها ليل نهار مقسما الأدوار واجتمع في زواياها بقادة المقاومة لاتخاذ قرار .
عن دوره في حصار الكنيسة قال سامي كنعان إن الشهيد داوود حرص على الوحدة الوطنية وتشكيل طاقم حراسة متواصل مضيفا:"دائما يرفع المعنويات فهو يكره الاحتلال فكان له في الكنيسة خطط عسكرية ولاحظت أنه صادق وواضح ويستشير قادة العمل الوطني ويمشي وسلاحه في يده فهو حذر لأنه يعلم أنه مستهدف" .
ويعتبر مؤيد الجنازرة الشهيد داوود بأنه كان المسئول الأول عن المحاصرين في كنيسة المهد مضيفا:"كنا 217 أول يوم وآخر يوم صرنا 117 فقد استشهد 9 من غزة و الضفة " .
واختطفت رصاصات الاحتلال مع استمرار الحصار 3 شهداء من غزة و5 من الضفة حتى قارع الأجراس سقط مضرجا في دمه حين حاول ممارسة دورا ألفه لسنوات .
وأفادت مصادر خاصة للرسالة أن الشهيد داوود كان على اتصال برأس القيادة السياسية حينها وأنه حصل على تطمينات منذ بدء الحصار بأنه لن يبعد لكن المفاجأة كانت عندما كان اسمه أول المبعدين للخارج .
تحامل على جوعه كثيرا خلال 39 يوما ورفض تناول القليل من الحساء خصّه به مؤيد الجنازرة تضامنا مع بقية الجوعى من حوله وهم لا يدرون !! .
وأكد الجنازرة أن داوود رفض بشدة مبدأ الإبعاد فقد جرّب مرارته عام 92 ولا يريد تكرار التجربة مع الآخرين .
ويصف المبعد في غزة حاتم حمود 35 عام الشهيد داوود بأنه عرفه قائد معطاء عاش فترة الحصار مع زملائه حتى أبعد 16 منهم لغزة و13 آخرين لقبرص وأوروبا .
ووجد المبعد في غزة ناجي عبيات حكمة في آراء داوود خلال الحصار مضيفا:"كنا نستشيره فيقول أنا أعرف اليهود جيدا وقال لن نتنازل! ورفض منح اليهود كشف أسماء المحاصرين الذي طلبوه في اليوم الأول".
مطلوب رقم 1
وتتهم إسرائيل الشهيد داوود بالمسئولية خلف عملية الاستشهادي محمد دراغمة التي قتل وأصيب فيها العشرات مطلع الانتفاضة .
وتحلى الشهيد داوود حين كان مديرا لمخابرات بيت لحم بفهم خاص للأوامر القادمة من أعلى حيث قال المبعد سامي كنعان:"كانت ترده أوامر من القيادة السياسية منها اعتقال المجاهدين لكنه لم يكن ينفذ فالرجل بمثابة مناضل كبير!" .
وأشار المبعد مؤيد الجنازرة أن الاحتلال اعتبر داوود أخطر المقاومين داخل كنيسة المهد وقد قصف مكتبه عام 2001 بشكل مباشر وقصف مبنى المخابرات بعدها بطائرات حربية فأَضاف:"يحب المشي كثيرا ولا يحب المظاهر وجمعته علاقة قوية بحسين وعاطف عبيات ورائد الكرمي فعلاقاته مع المجتمع والبسطاء قوية أيضا ويحترم من يقذف حجر أو زجاجة ملوتوف" .
واحتجزت السلطات القبرصية كما قال المبعدون داوود 6 أشهر قبل أن يبعد إلى موريتانيا التي عاش الأبعاد فيها من قبل عام 92 فيما تشتت بقية المبعدين في دول أوروبية وقطاع غزة.
وحافظ داوود على تواصله مع المبعدين حتى أسابيع سبقت وفاته وقد انتقل للجزائر منذ فترة وجيزة استعدادا للعودة لفلسطين بعد بدء الحديث عن عودة وشيكة للوطن .
وحمّل المتحدث باسم المبعدين سامي كنعان الاحتلال مسئولية تدهور حالة داوود حتى استشهد مضيفا:"المبعدون يعيشون ضغط نفسي لعدم الاستقرار وأحمل إسرائيل مسئولية ما حدث لداوود فقد والدته أخته وهو مبعد وآخر ما قاله على تلفزيون فلسطين قبل أسابيع حين حضر للتلفزيون أولاده وزوجته أنه يتمنى أن يكون بجوار قبر شقيقته" .
أما المبعد مؤيد الجنازرة فكلما تذكر الشهيد داوود فتح قائمة الرسائل في هاتفه الخلوي ليقرأ رسالة وردته منه قبل شهر فقط كتب فيها "تحياتي الحارّة يا سيد مؤيّد أنا مشتاقلك ولكل الأخوة" .