"ونحن لم نحلم .. بأكثر من حياة كالحياة". قرّر ماهر السعايدة أن يحمل كلمات الشاعر الراحل محمود درويش على كتفه، ومن فوقها صورة شقيقه المفقود محمد.
يسير ماهر عادًا خطواته ذهابًا وإيابًا أمام مقر الأمم المتحدة في غزة، وعلى كتفّه همُّ البحث عن شقيقه محمد، والتي فقدت آثاره في البحر المتوسط، بعدما حاول أن يهاجر إلى إيطاليا بداية (سبتمبر/أيلول) الماضي.
وأمٌ ظلّت لأكثر من ساعةٍ ترقب على ناصية الطريق موكب بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، علّه يلتفت إلى "يافطة" تحملها بين كفيّها، مخطوط عليها " لن نترك أبناءنا يذهبون هدرًا أمام أعيننا دون أن نضع الجميع أمام مسؤولياته ولن نقف مكتوفي الأيدي" آملةً في مشاهدتها وتلبية ندائها.
وأخرى أحرقها قرص الشمس الساطع ظهيرة الثلاثاء وامتزج صوتها بالآهات، وهي تهتف بعالي صوتها قائلة " واحد .. اثنين.. بان كي مون.. سفينة أولادنا راحت فين".
ووصل صباح الثلاثاء بان كي مون قطاع غزة، عبر معبر "إيرز" بيت حانون شمال قطاع غزة، برفقة وفد أممي رسمي، وألقى خطابه في مقر الأمم المتحدة بغزة. بدورهم أهالي المفقودين تجمعوا أمام المقر وهتفوا شعاراتِ غضبٍ بسبب تخاذل المجتمع الدولي في البحث عن أبنائهم المفقودين منذ ما يزيد عن شهر.
السعايدة (30 عامًا)، حضر لمقر الأمم المتحدة بغزة برفقة صورة شقيقه المفقود في البحر، مطالبًا التحلّي بالمسؤولية، والبحث بشكلٍ جاد عن المفقودين، والاعلان عنهم سواء أحياء أم أموات.
يقول السعايدة لـ"الرسالة نت": " أبناؤنا غرقوا في البحر، نحن نريد معرفة مصيرهم، إن كانوا أحياء أم أموات". وتساءل " لماذا لا يتحرك أحد من المسؤولين للكشف عن مصير أبنائنا"؟.
المعلومات التي وصلت لماهر حول المركب لم تكن كافية، فقد أخبره أحد الناجين واسمه عبد المجيد الحيلة – يتواجد في الأراضي اليونانية- أنّ السفينة غرقت في عرض البحر، ومن عليها غرقوا".
للمرة الثالثة يتواجد ماهر أمام مقر الأمم المتحدة للمطالبة بالكشف عن مصير المفقودين، وعشرات العائلات من أهاليهم يفعلون فعلته، فالمواطن أسعد الجرف (48 عامًا)، قطع الاتصال بابنه هشام (24 عامًا) فجر السادس من أغسطس/ أيلول، وكلما سمع عن فعالية تنديد بحق المجتمع الدولي ومطالبة بالكشف عن مصير ابنه، سعى لها للمشاركة.
لكن.. هذه المرة حضر هشام وبيده وثيقة حصل عليها بمساعي أقاربه في ألمانيا من ربّان سفينة فرنسية، تفيد أنّه رأى المفقودين وحاول انقاذهم، بيد أن البحرية الإيطالية منعته من ذلك قائلة "نحن من سينقذهم".
حضر هشام للفعالية بعدما علم بقدوم بان كي مون لغزة، وقال " إذا كان أولادنا توفاهم الله نريد أن نرى جثثهم، وإن هم أحياء نحتاج لأن نتعرف عليهم أين هم وبأي مكان".
توقّع أن يكون المسيطر على السفن المهاجرة، قراصنة "إسرائيليين"، متابعًا " المهربون ومصر يعرفون الحقيقة جيدًا، لماذا يتخاذل المجتمع الدولي في معرفة مصيرهم". محملًا الأمين العام للأم المتحدة، والبحرية المصرية المسؤولية عن فقدانهم.
وفي فعالية نظّمتها مؤسسة فلسطينيات بذات الوقت، للتنديد بزيارة الأمين العام للأمم المتحدة، قالت منسقة المؤسسة منى خضر وهي ترفع شعارًا –الصمت عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي = شراكة كاملة فيها- " خرجنا لنوصل رسالة احتجاج (لكي مون) أنه غير مرحب به في غزة".
وأضافت خضر "الصامت على جرائم الاحتلال وقصفه للمدنيين، ومؤسسات الأونروا لـ(51 يومًا) لا يستحق أن يأتي لغزة لعقد مؤتمرات ومن ثم تكريمه.
وطالبت بالضغط من أجل محاكمة الاحتلال "الإسرائيلي" على جرائمه، وإعمار غزة بلا مساومات. وتابعت خضر " الإعمار حق وواجب وليست منّة يطلبها أهالي غزة، وعلى المجتمع الدولي أن يجبر الاحتلال على إعادة إعمار ما تم تدميره دون وضع شروط على غزة، أو ابتزازها".
(عدسة : محمود أبو حصيرة)