لربما كان الصمت مصحوبًا بدمعتين ذرفناها، فيما يكتوي القلب حسرةً على فقدان زميلنا محمد ضاهر أفضل من أي حرف يمكن أن نسطره أو حتى نلفظه.
هكذا كان لسان حال العاملين في مؤسسة الرسالة حين دخلت زوجة زميلهم ضاهر وبين ذراعيها مولودها الجديد "محمد" الذي أبصر النور حديثًا، حيث نجا في رحم والدته التي خرجت من تحت الركام. كانت تخطو بهدوء إلى تلك الطاولة الذي يعتليها قطعة بيضاء لتشاهد حفل تكريم زوجها الشهيد ورفاق دربه في المؤسسة.
بينما كانت تلتفت بنظرها إلى منصة الحفل التي اعتلتها صورة زوجها، كانت تفيض بالدموع على فراق زوجها، بصمت ترثيه مثلما ودعته من قبل، تستثير مشاعر كل من حولها من الحضور، فلم يكن لهم من حيلة ولا قوة سوى البكاء.
مشاعر عاطفية امتزجت فيها معاني الحزن والأسى، نبهّت مشاعر كثيرين ممن فقدوا ذويهم وأقربائهم، وفي مقدمتهم كان رئيس مجلس ادارة الرسالة المهندس كنعان عبيد، فهو الآخر لم يكد يبدأ كلمته الترحيبية، حتى علا نحيب صوته وخانت عبراته الدموع.
هي صور من مشاهد تأبين مؤسسة الرسالة لشهيدها محمد ضاهر، وتكريم فرسانها العاملين بها، وفاءً لأدائهم خلال معركة العصف المأكول، بحضور "نجم الحفل" الطفل محمد نجل الشهيد محمد ضاهر، وبمشاركة شخصيات إعلامية بارزة.
وقد عرض في بداية الحفل فيديو قصير للحظات وثقتها كاميرات الرسالة عايشها محمد في المؤسسة، لتنبش في القلب المزيد من الجراح والآلام على فقده، لحظات لم تملك زوجة الشهيد مقدرة النظر اليها، فهي ذهبت بعيدًا نحو عالمها الجميل مع محمد.
وأعقب ذلك العرض كلمة للمهندس كنعان عبيد الذي فقد عددًا من عائلته في مجزرة الشيخ رضوان خلال العدوان على غزة، فبعد صمت طويل ممزوجًا بالبكاء، إلّا أن حشرجة صوته لم تمنعه من الـتأكيد على مواصلة الطريق الذي سار به محمد.
وقال عبيد إن كل زملاء محمد هم مشاريع شهادة في ذات الطريق، ولن يتخلوا عن المسير قدمًا في خدمة قضيتهم.
وأشار إلى إن المؤسسة لن تدخر جهدًا في الوصول الى الحقيقة والعمل على إظهارها مهما كلف ذلك من ثمن، مشيدًا في الوقت نفسه بأداء فرسان الرسالة ممن يواصلون طريق زميلهم الشهيد.
أمّا فرسان الرسالة من صحفيين ومحررين ومصورين، فقد كانت كلمتهم التي تحدث بها المدير العام للمؤسسة وسام عفيفة، تفيض بمشاعر الحزن والحب معًا، وبمعاني الألم والأمل سويًا، بين وفاءهم لشهيدهم محمد وإصرارهم على مواصلة الطريق.
عفيفة أكدّ على وفاء الرسالة لشهيدها محمد، الذي أشاد بمناقبه خلال مسيرته المهنية في المؤسسة.
وقال عفيفة، إن الرسالة لن تحيد عن طريق محمد، وهي تكرم فرسانها الأحياء ممن عملوا مع محمد في بداية العدوان حتى يوم رحيله، كلمسة وفاء منها وجميل لكل من أدّى رسالته خلال العدوان.
يذكر أن محمد استشهد في مجزرة الشجاعية، مع أربعة من عائلته، وقد خرجت من تحت الركام زوجته وشقيقته الصغيرة.
فيما أشادت الدائرة الإعلامية لحركة حماس على لسان مسئولها ياسر حرب، بأداء مؤسسة الرسالة خلال فترة العدوان، مذكرّا عائلة الشهيد وأصدقاءه بأن الصبر والابتلاء من سنن الكون.
وسلمت الرسالة درع الوفاء لعائلة الشهيد محمد، فيما كرّمت فرسانها بشهادات تقدير على ما أدوه من دور خلال العدوان على غزة.
وعرض خلال حفل التكريم فيديو يرصد بعض اللحظات لمراسلي وصحفي المؤسسة خلال تأديتهم دورهم في العدوان على غزة، في ظل الأجواء المخيفة التي كانت تسود القطاع، وأثناء دوامهم في مقرات بديلة لمقرهم الرئيسي المستهدف بالقصف من الاحتلال.
ولم تتوان "إسرائيل" عن التحريض على مؤسسة الرسالة وضيوفها، فيما اشتكت أجهزة مخابرات إقليمية من أداء الصحيفة، وقد هاجم الاعلام العبري عددًا من ضيوف الرسالة تعقيبا على تقارير وحوارات أجريت معهم عبر الصحيفة.
(عدسة: محمود أبو حصيرة)