رامي خريس
لم تفلح محاولات الملوك والرؤساء العرب المجتمعين في "سرت" من رفع صوتهم بالقدر الذي يحقق أمنيات شعوبهم ، وكالعادة كانت القمة العربية ، مظاهرة خطابية والحديث عن قرارات يعلم مقرروها أنها لن ترى النور ، وستبقى حبراً على ورق يزين رفوف مقر الجامعة العربية في القاهرة .
ومع ذلك لمس المتابعون أن هناك أصواتاً خرجت عن المألوف وتحدثت عن ضرورة أن تقوم الزعامات العربية بالالتحام مع شعوبها وجماهيرها لتحقيق أدنى ما يتمناه أو يحلم به كل مواطن عربي .
نشوز
وبين صوت مرتفع وآخر خافت كان هناك صوت ناشز حاول تسويق بضاعته الفاسدة ، فالرئيس محمود عباس "منتهي الولاية" ذهب في خطابه إلى الحديث عن " الانقسام الذي سببته حماس ولا تزال تغذيه في قطاع غزة" ، مع أن هناك من توقع من عباس أن يعلن أمام القادة العرب صراحةً أن خيار المفاوضات الذي تبناه طوال سنوات ماضية فشل فشلاً ذريعاً ، ولكن هذا الأمر لم يحدث وانبرى للحديث عن ما وصفه بـ"الانقلاب" وتداعياته !.
هذه كانت بعض الأصوات التي خرجت متحشرجة من حناجر القادة العرب ، فغطى عليها صدى الرصاص الذي قتل الجنود الإسرائيليين الثلاثة في عملية خان يونس بأيدي كتائب القسام والتي باركتها الحكومة الفلسطينية على لسان المتحدث باسمها طاهر النونو .
أمل
ومن الواضح أن لهذه العملية وفي هذا التوقيت بالذات دلالات كبيرة أهمها أن الأمل الحقيقي معقود على المقاومة التي يمكن أن تحقق أمنيات الفلسطينيين ومن وزرائهم الشعوب العربية وأن صوت الرصاص أقوى من الخطابات وحتى لو كانت "رنانة" فما بالها إذا كانت خافته ومتحشرجة .
والرسالة التي يرى المراقبون أنها قد تحققت بفعل مباركة الحكومة في غزة للعملية تشير إلى أن حركة حماس لن تتراجع عن رؤيتها الإستراتيجية لطبيعة الصراع مع الاحتلال ، ولن تقبل مصالحة يهضم حقها في المقاومة.
أما المتحدثون باسم حركة فتح فلم يصدر عنهم أي تعقيب بعد العملية ، وكأن ما جرى في كوكب آخر فلم يباركوا أو ينددوا ، لاسيما انها جاءت بعد هجومهم على حركة حماس متهميها بأنها تحارب المقاومة في غزة ، وكأنهم هم من يشعلها في الضفة الغربية .
وأثبتت "عملية خان يونس" أن المقاومة تتحكم بتغيير مجرى الأحداث ورسم السيناريوهات في المنطقة أكثر ما تفعله القمم والاجتماعات السياسية مهما كان مستواها ، وأن العملية فاجأت المراقبين كافة والمحللين السياسيين الذين رسموا سيناريوهات مختلفة اعتقاداً منهم بأن غزة لن تشهد عمليات عسكرية نوعية بعد ما حصل لها في حرب الفرقان .
وعلى أية حال فإن الاحتلال وحكومته لم تعجبه نتائج القمة العربية كما غضبت من عملية خان يونس فالخطابات لم تدفع بنيامين نتنياهو لطاولة المفاوضات التي يريدها العرب أو جل قادتهم ، كما أنها لا تزال دون المستوى الذي يريده ، وهو ما يفتح المجال أمام استمرار المقاومة ورصاصها الذي قد يحقق ما لم تحققه خطابات الاستجداء أو حتى تلك "الرنانة" التي لا تجد صداها عند أحد طالما لا تقترن بفعل حقيقي على الأرض .