قائد الطوفان قائد الطوفان

بين الركام..أطفال ينبشون عن ثيابهم الشتويّة

صورة (أرشيفية)
صورة (أرشيفية)

غزة - حمزة أبو الطرابيش

موجات من الهواء البارد تطوف في أقصى مدينة بيت حانون، تحاول الشمس الخجولة أن تقضي عليهن. لم يأبه الطفل وسيم حمد لهن. ما يشغل باله فقط إيجاد معطفه الرمادي بين ركام منزله. محاولات أمه ريم بإقناعه أن آلة الطحن الإسرائيلية مزقت الجدران قبل أن تمزق ملابسهم فشلت.

توقف الطفل وسيم الذي كان لاسمه نصيب منه عن البحث، ثم أقحم نفسه في جولة بكاء ممزوجة بالصراخ اقتربنا منه، ووعدناه أن نشتري له معطف جديد، ولكن يبدو وسيم انه ما زال مقتنع بارتداء ذاك الموجود بين الركام.

احتضنته أمه ريم وقالت: "ما في ولا قطعة شتوية ألبس فيها ابني(..) هذا فصل الشتاء راح يكون صعب علينا".

ما حدث لمنزل الطفل وسيم الذي كان يقطنه 20 شخًصا موزعين على ثلاثة طوابق، كانت طائرة حربية قد اسقطت من السماء كمية من المتفجرات تزن الأطنان، ليتساوى مع الأرض برمشة عين.

دون شك، سيكون شتاء هذا العام قاسيًا جدًا على أهالي المدمرة منازلهم، لا مكان يلجئون إليه من المطر والبرد، ولربما لن تكون هناك ملابس شتوية باردة لتحصين أجساد أطفالهم الصغيرة.

في طريق ذهابنا إلى حي الشجاعية الذي ارتوى أرضه بدماء أبنائه حين مجزرة الفجر، التقينا بأبو محمود عسلية الذي أنهى عقده الرابع حديثًا. كان يلجأ مع أطفاله الخمسة في مخزن معتم قريب من منزلهم المدمر الواقع على طريق صلاح الدين شرق مخيم جباليا.

يراقب أبو محمود-المتعطل عن العمل منذ سنوات- أطفاله الذين يجلسون على بوابة المخزن بدون ملابس شتوية ينظرون إلى ماء السماء. تحسبن ثم قال بحسرة: "ما في ملابس شتوية لأولادي خايف عليهم من البرد (..) ساق الله على الأيام الي راحت".

تمطر السماء، يسارع أطفاله الخمسة إلى غرفة ملابسهم لارتداء معاطفهم، ثم يشعل كانون النار على بوابة المنزل من الداخل، تلتف العائلة حوله يحتسون الشاي، بكل هذه الذكريات الشتوية استرجع الوالد شريطًا قصيرا من حياته.

"مش عارف كيف بدي ألبس أطفالي، في الشتاء الماضي زوجتي شرت كتير ملابس شتوية لأطفالي، ولكن راحت كلها تحت الأنقاض". قالها أبو محمود قبل أن نطرح عليه سلام الوداع.

وصلنا حي الشجاعية، حينها التقينا بمجموعة أطفال كان يلعبون كرة القدم بين الركام والأرض المبللة، بعد ما أخذ قرص الشمس بالانحدار إلى المغيب انتهوا من اللعب أخذ كل طفل حذائه وذهب هرولة إلى منزله، إلا الطفل إبراهيم أبو حسنين الذي كان يسير حافيًا دون أصدقائه.

سرنا ببطء مع الطفل، الحسرة جاءت على وقع سؤلنا "لماذا تسير حافيًا؟"، ملخص الإجابة كانت، لم يستطع والده أن يخرج شيئا من منزلهم المدمر.

قطعت حديثنا زخات المطر الكثيرة ، وتركنا مرددًا وهو يهرول إلى منزل جده الشبه مدمر: "مش راح أموت من  السقعة".

البث المباشر