لا نعلم ما هو الشعور الذي سيسيطر على أحد التوأمين حين يأتي ظالم ويفصل بينهما بالقوة. على مرمى حجر من منزل أخيه أحمد في مدينة رفح المصرية أمسك أبو خالد بالسلك الشائك في الجانب الفلسطيني يُتابع إخلاء الجيش المصري لعائلة أخيه, علّه يستطيع أن يأويهم بعد تفجير منزلهم خلال دقائق معدودة .
ضرب أبو خالد بيده على السلك الذي يفصل بينه وبين مساعدة أخيه قائلًا :" مش عارف وين حيروح أخوي وعيلته, ما إلنا حد في مصر"، أحس بضعفه في ظل سطوة السلاح, لا سبيل للانتقال للجانب الفلسطيني, أي العراء حتمًا مصيره ! .
إنشاء منطقةٌ عازلة، كان أول قرارات السلطات المصرية بعد حادث تفجير استهدف أحد الثكنات العسكرية في محافظة شمال سيناء، أدى لمقتل وإصابة عشرات الجنود, هدفها مسح المنطقة المصرية الملاصقة لغزة .
أبو خالد الذي باعدت بينه وبين إخوته وأبناء عمومته تلك الحدود المرسومة بين الجارتين مصر وفلسطين, اعتاد زيارتهم عبر معبر رفح البري , وأحيانًا عبر الأنفاق التي كانت ممتدة بين الجانبين قبل أن يدمرها الجيش المصري مؤخرًا .
"ايش علاقة ناس ما إلها في كل هالأحداث لتتشرد ؟ وين يروحوا في هالوضع ؟ " يتسائل أبو خالد عن حال مستقبل أخيه وأقربائه, إلا أن الجدار الفاصل سيرد صداها إلى صدره , فلا إجابة إلا مزاعم الحفاظ على الأمن القومي المصري .
حملات أمنية متكررة شنها الجيش المصري على مدينتي رفح والشيخ زويد بعد الإنقلاب على الرئيس محمد مرسي مطلع تموز/ يوليو الماضي, دفع خلالها أبناء تلك المناطق الثمن غاليًا من دمائهم وأموالهم ومنازلهم .
ما هي إلا دقائق.. حتى سمع دوي الانفجار في أرجاء المكان, لتعم موجات الغبار المنطقة, ويتحول المنزل لكومة ركام, يبدأ بعدها أحمد وعائلته حياة ملؤها التشتت .
أحد سكان حي البراهمة تحدث لمراسل "الرسالة نت" عن طلب الجيش المصري من سكان المنطقة إخلائها خلال 48 ساعة تمهيدًا لمسح الحي السكني بالكامل, وهذا ما يعني تدمير عشرات المنازل وتشريد الآلاف دون أي سبب .
وفي ظل الحشودات العسكرية والقوات الكبيرة التي استجلبها الجيش لمحافظة شمال سيناء, يبدو أن قرار هذه العائلات سيكون الإذعان لقرار الإخلاء والهدم, حرصًا على حياتهم في ظل حالة الطوارئ المفروضة عليهم .
الأحياء السكنية المكتظة في مدينة رفح المصرية, حي البراهمة والصرصورية ومنطقة صلاح الدين ستتحول لأرض مكشوفة فلن يبقى فيها حجر ولا شجر, ليصبح مستقبل مئات العائلات إلى "مجهول".
تحدثنا لشقيق أبو خالد عبر الهاتف على الرغم من ضعف شبكة الاتصالات في المدينة, الذي شكى سوء حاله لـ "الرسالة نت": "لجأنا لناس بنعرفهم في الشيخ زويد, حتى نشوف وين نروح بعد هدم البيت".
وحول تعويضات الجيش للمواطنين, قال أحمد : "الـ 300 جنيه لا تكفي لآجار شقة في مدينة العريش, أصحاب البيوت رفعوا أسعار الإجار" .
وحسب خطة الجيش المصري في إنشاء المنطقة العازلة, تنص على تجريف المنازل بمساحة 500 متر على طول الحدود المصرية الفلسطينية بطول 14 كم2 , لتنهي بذلك ظاهرة الأنفاق للأبد حسب زعمها .
كلما وجدت السلطات المصرية نفسها في أزمة أو مأزق اتجهت لتضييق الخناق المفروض على غزة, وكأن غزة ينقصها حصار فوق حصارها , وألم فوق آلامها , إلا أن ذلك يزيدها ثباتًا وصمودًا في وجه محاولات الخنق إسرائيليًا ومصريًا .
(عدسة: جهاد الشريف)