حينما احتل بوش العراق قام بإجراء أثر تأثيرا بالغا على مستقبل واستقرار المنطقة، وأعتقد أن ما تعانيه اليوم بلاد الرافدين بسبب سياسات أمريكا التدميرية والتي تمثلت بسياسة اجتثاث حزب البعث وحل الجيش العراقي، بوش وإدارته المتغطرسة حملا حسا انتقاميا من النظام العراقي وجيشه، كما أنهم لم يلقيا بالا لملايين العراقيين الذي قتلوا وجرحوا وشردوا وازداد بؤسهم وكربهم، ولم يضع العقل الامريكي آنذاك اي حساب لمصيرهم وحياتهم واستقرارهم.
السياسة الأمريكية هذه أدت لأمرين خطيرين، الأول خلق حالة فراغ هائل أدى لانهيار كامل لبنية الدولة والمنظومة العراقية، والأمر الثاني خلق بيئة استقواء طائفي، فدخلت البلاد في دوامة دموية عنيفة آلامها ومعاناتها ما زالت مستمرة بعد عشر سنوات من احتلال بغداد.
ويبدو تقصد بوش وإدارته جاء بهدف إيجاد حالة صراع يؤدي لانهيار أركان الدولة، فيخلو لهم وجه العراق وخيراته ونفطه بل ومنطقة الشرق الأوسط بشكل كامل، ومن خلال التقييم الموضوعي فشلت هذه السياسة في تحقيق الهدف الخفي الواضح، ومن جهة أخرى نجحت بتمزيق العراق وتدميره وتحويل الرافدين لدولة منهارة متلظية آيلة للانتهاء والتفتت.
سياسة الفراغ والتدمير الذاتي يتبعها الرئيس عباس اليوم في غزة بمساندة (إسرائيل) والنظام المصري، بقصد التخلص من هم وكآبة غزة ومقاومتها وبرنامجها، فهو يحاول اجتثاث حركة حماس وتسريح وتدمير الأجهزة الامنية في قطاع غزة، والضغط على كتائب القسام لتفكيك قدراتها العسكرية، وهذه السياسة التي تبدأ بعدم الاعتراف بواقع غزة ومنظومته ورفض دمجها بالسلطة ومهاجمتها وتجفيف الأموال عنها وتبرير حصارها من قبل الاحتلال.
ولا يخفى على أحد ما يحمله الرئيس من حس انتقامي تجاه غزة وسكانها، فلا تعني له معاناة أهلها ومصيرها من قريب أو من بعيد، لهذا يقوم بسياسة بوش التدميرية الانتقامية التي تؤدي للفراغ والاقتتال واستقواء طرف على آخر ونشر الفوضى والفلتان.
لهذا هو اليوم لا يعترف بخصمه السياسي ويتعامل مع حماس أنها أجبرت على المصالحة بسبب التغيرات الإقليمية، وينظر لعشرات آلاف الموظفين أنهم لا يستحقون الحياة ويجب تسريحهم لبيوتهم غير عابئ بمآلات الأمور.
فيبدو أن الرئيس عباس يكره غزة بسكانها وأهلها وفتحها وحماسها ويسارها وعمالها وفلاحيها ومواطنيها ولاجئيها، لهذا يدفع القطاع دفعا وعن دراية نحو الانفجار.
غزة الآن محتاجة للهدوء والتروي وترتيب الأوراق والأولويات وتغيير السياسة والتفكر بآلية جديدة، ولهذا قرار امتناع الداخلية تأمين احتفال ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات قرار سليم وصحيح وفي سياقه الطبيعي ورد فعل مناسب على تمادي الرئيس عباس وحكومة رامي بتهميشهم والقفز عنهم والتعدي عليهم ونعتهم بما لا يليق وحرمانهم من مستحقاتهم واستحقاقاتهم.
فلا يعقل أن يحرم أبناء هؤلاء من المصروف ولقمة العيش ويأتي من يحاصرهم ويتطاول عليهم ويشارك في معانتهم ليرقص على آلامهم ومن ثم يفرض عليهم أن يحموه ويوفروا له سبل نكئ جراحهم.