أجواء الحرب لم تغب مظاهرها عن أهالي غزة، خاصة الحدود الشرقية للقطاع منذ إبرام اتفاق التهدئة، فالآليات "الإسرائيلية" ما زالت تجتاح مساحات محدودة بين الفينة والأخرى، والمناورات العسكرية بصُحبة الغارات الجوية الوهمية المرعبة، تُقلق المواطنين وتعيدهم لأجواء واحد وخمسين يومًا من الحرب الدامية التي فتكت بالبشر والحجر.
وتستمر قوات الاحتلال في اختراقها لاتفاق وقف إطلاق النار المُعلن بين فصائل المقاومة والاحتلال في 26 أغسطس الماضي، في حين تلتزم المقاومة بما تم الاتفاق عليه ولا تسمح للاحتلال بأيّ ذريعة لمهاجمة غزة.
ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على أن "توافق حماس والفصائل الأخرى الناشطة في غزة على وقف إطلاق كل الصواريخ والقذائف على (إسرائيل)"، وهو ما التزمت به المقاومة في غزة بشكل كامل.
فيما نصّ أيضًا على أن "توقف (إسرائيل) كل العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية"، إضافة إلى تضيّيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود القطاع من 300 متر إلى 100 متر" وذلك ما لم يلتزم به الاحتلال بشكل قاطع.
خانيونس "الأسوأ حظًا"
المنطقة الشرقية لخانيونس جنوب القطاع كانت الأسوأ حظًا من تلك الخروقات، وحتى اللحظة، يعيش سكان المناطق الحدودية _المدمرة خلال العدوان الأخير_ في حالة رعب وقلق مستمرين، وتمنعهم من الوصول لأراضيهم أو التقدم فيها للعمل على اصلاحها بعد أن دمرتها قوات الاحتلال في حربها البرية الأخيرة ضد غزة.
وما يزال المواطنون هناك يعانون الأمرّين من قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، فمرةً تلوَّ الأخرى تتوغل آلياته صوب أراضيهم، وتطلق النار بشكل هستيري، في حين نفذت قواته أكثر من خمس توغلات هناك، إضافة لإطلاق النار صوب المنازل باستمرار.
الحاج أبو العبد الأسطل يمتلك أكثر من 25 دونمًا زراعيًا يقع جزء منها في منطقة لا يسمح له بالوصول إليها نظرًا لمجاورتها الخط الفاصل مع حدود الاحتلال شرق خانيونس.
لحظات "الأكشن" المخيفة لم تنته بعد لدى المواطنين على الحدود، كما وصفها بذلك الأسطل، "الأطفال يعيشون حالة من الرعب الشديد عند سماع إطلاق النار وصوت الدبابات والجرافات الإسرائيلية".
ووسط تلك الأجواء المتذبذبة، يقول المواطنون القريبون من الخط الفاصل بين شرق خانيونس والأراضي المحتلة، إن أبراج الاحتلال العسكرية تُطلق نيرانها بشكل كثيف صوب أيّ هدف بجوار أراضي المواطنين الزراعية والمنطقة الحدودية.
خروقات مستمرة
صيادو البحر كان لهم نصيبٌ كبير من الاعتداءات الاسرائيلية حيث سُجل أكتر من 10 اعتداءات عليهم أثناء عملهم في مياه البحر.
وبناءً على اتفاق وقف إطلاق النار فإنه يفترض أن "توسع (إسرائيل) نطاق الصيد البحري قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلًا من ثلاثة أميال مع احتمال توسيعه تدريجيًا"، لكّن الاحتلال لم يلتزم بذلك ويمارس انتهاكاته بشكل مستمر.
نقيب الصيادين نزار عايش، قال لـ"الرسالة نت"، إن الاحتلال لم يتوقف عن استهداف الصيادين في عرض البحر، ويمارس ضغوطه عليهم، فيما يمنعهم من الوصول لمساحات الصيد المتفق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار.
ويوضح عياش أن تكلفة الانتهاكات "الإسرائيلية" بحق الصيادين تقدر بـنحو 10 ملايين دولار، بما في ذلك الخسائر التي لحقت بالصيادين ومراكبهم خلال العدوان على غزة.
"الاحتلال اعتقل أكثر من 15 صيادًا خلال عملهم في البحر" كما يوضح عياش، مُطالبًا المجتمع الدولي بضرورة إنهاء معاناة الصيادين وتعويضهم.
وفي أوقات الليل الحالكة تنهمر قذائف الزوارق الحربية "الإسرائيلية" صوب مراكب الصيادين في عرض البحر في كل فترة، لتوقع الخسائر المادية وأحيانًا تؤدي إلى إصابة صيادين، وليس ببعيد آخرها تدمير مركب في عرض بحر رفح قبل يومين، وليس انتهاءً إطلاق النار صوب الصيادين ببحر غزة مساء اليوم الأربعاء.
وذكر مركزٌ لحماية حقوق الانسان في تقرير له، أن الاحتلال ركز خلال الشهر الماضي اعتداءاته على الصيادين بصورة ملفتة للانتباه، حيث كثفت من عمليات اطلاق النار ومهاجمة الصيادين في عرض البحر.
وأوضح المركز استشهاد ثلاثة مواطنين من قطاع غزة متأثرين بجراحهم التي أصيبوا بها خلال العدوان الأخير على غزة مما يرفع عدد شهداء العدوان إلى 2208 شهيدًا.
فيما أكّد المركز ذاته أن قوات الاحتلال اعتقلت 13 مواطنًا وأخضعتهم للتحقيق قبل أن تفرج عن سبعة منهم بينهما لاتزال تعتقل الستة الآخرين حتى الآن.
بتلك الخروقات المصحوبة باستمرار الحصار المُطبِق على قطاع غزة منذ سنوات، وإغلاق المعابر التجارية من القطاع، في انتهاك واضح لحقوق الإنسان، ربما تدفع "إسرائيل" الثمن غاليًا، "فالضغط لا يولد إلّا الانفجار".