عادت غزة لنقطة الصفر من جديد، فعلى وقع تفجيرات الجمعة الماضية، اهتزت المصالحة الهشة لتهدد مصير الإعمار الذي لم يبدأ بعد والحصار الذي لم يرفع حتى اللحظة.
وحلت الأحداث المتسارعة والاتهامات بين حركتي حماس وفتح والتي زادت حدتها خلال الاسبوع الجاري كمصيبة على رؤوس سكان غزة وخاصة متضرري الحرب منهم، كون إعمار غزة وحل كل مشاكلها يرتبط بالمصالحة.
ملف إعادة الإعمار الذي طاله التراشق الإعلامي بين الفصيلين من خلال تبادل الاتهامات بين المتسبب في تعطله رغم أنه مهمة حكومة التوافق، ليس وحده الذي سيتأثر بما يجري على الساحة بل إن أدق تفاصيل حياة المواطنين اليومية ستبدو أكثر تعقيداً خاصة وان حكومة الوفاق ترفض تسلم مهامها حتى اللحظة في القطاع.
إعمار معطل
سياسيون ومحللون رأوا أن الخلافات بين الحركتين ستؤثر على ملفات عدة أهمها إعادة الإعمار فحركة الجهاد الإسلامي وعلى لسان القيادي فيها أحمد المدلل كشف عن اتصالات مكثفة تجريها حركته مع "فتح وحماس" لعقد لقاء قريب يجمع الحركتين في قطاع غزة.
وأوضح القيادي في الحركة، في تصريح خاص لـ"الرسالة"، أن الاتصالات تركز بشكل أساسي على إزالة أي نقاط خلافية بين الحركتين والتي نشبت مؤخراً وأثرت سلباً على الوضع الداخلي، وعقد لقاء قريب يجمع فتح وحماس في غزة.
وحذر القيادي في الجهاد من استمرار الوضع الراهن في تبادل الاتهامات، مؤكداً أن تلك الأجواء تؤثر سلباً على ملف إعادة الإعمار في قطاع غزة، وتعطي طابعا سلبيا جداً أمام العالم أجمع عن الوضع الداخلي.
لكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حمل في خطابه الأخير الثلاثاء الماضي حماس المسئولية عن تبعات التفجيرات التي حصلت بغزة، بما في ذلك تعطيل الاعمار، وقال رئيس السلطة موجهًا كلامه لحماس "اتفقتم سريًا مع سيري ونحن اتفقنا أن نكون على المعابر لنستلم المواد لإعادة البناء، ولماذا يتم هذا التعطيل".
تصريحات عباس جاءت رغم تأكيد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق إن حركته لم توافق على خطة منظمة الأمم المتحدة، المتعلقة بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة.
وأضاف أبو مرزوق عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "خطة روبرت سيري (مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط) لم تعرض إطلاقاً على حماس بأي صورة من الصور، ولم يصدر أي موافقة من أي مسؤول في الحركة على هذه الخطة.
وبين أن حركته ستعمل مع كل القوى السياسية والمجتمعية في غزة على تعديل الخطة وإصلاح أخطائها".
وقال أبو مرزوق " حماس سلمت إدارة القطاع لحكومة التوافق التي تلكأت في القيام بمسؤولياتها"، مؤكداً أن حركته لم تكن طرفاً في أي اتفاق رسمي بخصوص إعمار غزة.
مربع الصفر
ورغم أن الجانبين اتفقا في سبتمبر الماضي على ان تتخلى حركة حماس عن السيطرة على المعابر البرية في غزة لحكومة التوافق من اجل تسهيل دخول المساعدات ومواد اعادة الاعمار إلا أن الحكومة لم تبادر بتسلم المعابر حتى اللحظة، وينذر التراشق الإعلامي الحاصل بوقف العمل في كل تلك الاتفاقات حتى اشعار آخر.
رئيس حكومة التوافق رامي الحمد الله وقادة بارزون في فتح ألغوا زيارة مقررة إلى غزة للمشاركة في إحياء الذكرى العاشرة لوفاة عرفات احتجاجا على سلسلة التفجيرات التي استهدفت منازل قادة الحركة في غزة.
المحلل السياسي أكرم عطا الله ذكر أن كل الملفات الفلسطينية ستتأثر بعودة الخلاف بين حركتي فتح وحماس، موضحا أن الإعمار قائم بالأساس على المصالحة الفلسطينية وجاء نتيجة لها وفي حال فشلت فإن الملف سيتوقف.
وبحسب عطا الله فإن بقاء وضع الفصلين على حاله سيعيق أي تقدم على صعيد المعابر والرواتب خاصة وان تلك الملفات فروع للمصالحة.
ويقول عطا الله: بالنظر لحجم الاتهامات المتبادلة واضح أننا عدنا لمربع الصفر في المصالحة، مشيرا إلى ان المصالحة باتت بحاجة لمعجزة وإدراك من الطرفين بأن من أقدم على التفجيرات يستهدف المصالحة.
ويرى بأن المصالحة ولدت عرجاء وكان يجب دعمها لا كسر قدميها بالكامل.
ابتلاع المصالحة
بدوره يرى مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أنه على وقع التفجيرات والأحداث الأخيرة تأثرت المصالحة والإعمار والحصار، وخيّمت على الفلسطينيين في الداخل والخارج، مناخات الكآبة والإحباط.
ويقول في مقال له: في قائمة المستفيدين من التفجير، تقف (إسرائيل) في مقدمة اللائحة، فهي تجاهر برفضها للمصالحة وتعطيلها لإعادة الإعمار، ولا تأل جهداً لإدامة الحصار والخنق للقطاع الأسير.
ويذكر أن حماس كحركة وحكومة، ليس لها مصلحة في التفجير، وهي معنية برفع الحصار وإعادة الإعمار، حتى لا تواجه بغضب الناس وسخطهم، وهي مهتمة بـ "درجة معينة" من المصالحة، أقله تسهيل رفع الحصار والخروج من شرنقته المؤذية.
ويدعو الرنتاوي إلى إجراء تحقيق وطني شفاف ونزيه، فوري وعاجل، أياً كانت هوية المرتكبين ومستوياتهم، وإلا تحولت تفجيرات غزة إلى مثلث برمودا القادر على ابتلاع المصالحة وإعادة الإعمار ورفع الحصار، بل والعودة بعقارب الساعة إلى صيف 2007.