تواصل الموجة الثورية في القدس والضفة المحتلة الارتفاع، كنتيجة طردية لازدياد انتهاكات الاحتلال هناك.
إن استمرار الاستفزاز (الإسرائيلي) كفيل -برأي مراقبين-بتحويل تلك الموجة إلى انتفاضة ثالثة، على اعتبار أنه لا يوجد قضية يمكن أن تحشد الشارع الفلسطيني كما "القدس والأقصى".
ولا يبدو أن (إسرائيل) بإجراءاتها الجديدة تعمل على تجنب ذلك، حين نعلم أن وزير الجيش فيها "بوغي يعلون" هدد بتنفيذ عمليات اعتقال واسعة ضد الفلسطينيين "وقتل كل من يحاول قتل اليهود"، بحسب تعبيره، وأقرّ أنهم في خضم مواجهة متصاعدة من عمليات الطعن والدهس.
ويفسر ذلك، تصريحات رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، بيني غانتس، التي أوعز فيها إلى قادة وحدات الجيش المنتشرة في الضفة بالحفاظ على اليقظة والتهيؤ لاحتمال تصاعد أعمال العنف.
ويظل سيناريو اندلاع انتفاضة ثالثة الأكثر ترجيحا عن مرات سابقة وقعت فيها عمليات فدائية وخمدت، من مبدأ أن أساليب المقاومة اليوم مستحدثة وارتجالية ولا تحتاج إلى تشكيل خلية أو الانخراط ضمن فصيل، وتنفيذها مرتبط بقرار ذاتي (الطعن والدهس)، لكن تبقى إشكالية توظيف الطاقات الغاضبة قائمة، ونقلها من الحالة العفوية إلى الحالة المنظمة، مع غياب أي أفق سياسي لتحقيق استراتيجية قيام دولة فلسطينية.
وهنا يقول الكاتب مهند عبد الحميد: "كان من المفترض أن تشكل هذه الأعمال الفردية حافزا كبيرا للتنظيمات السياسية كي تتدخل من أجل تنظيم المئات والآلاف وحفز قطاعات متزايدة من المجتمع للدخول في المقاومة الشعبية على طريقة الانتفاضة الأولى من أجل معاظمة قوة الشعب في مواجهة الاحتلال".
وكانت الأيام القليلة الماضية شهدت تنفيذ عمليتي طعن، أعقبت سلسلة عمليات دهس نفذها مقدسيون. أولى تلك العمليات أسفرت عن إصابة مستوطن (إسرائيلي) بجروح بالغة، إثر طعنه بسكين في محطة للحافلات في مدينة (تل أبيب)، بينما وقعت العملية الثانية عندما طعن أحد كوادر حركة الجهاد الاسلامي 3 إسرائيليين في مدخل مستوطنة "ألون شوفوت"، جنوبي الضفة.
وتوقع الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، أن يمتد زمن المجريات الثورية الحاصلة في القدس والضفة بوجود كل المقومات المؤهلة لها "حتى لو خبت ما بين مرحلة وأخرى"، كما قال.
وذكر أن الموجة الثورية ستأخذ أشكالا عدة منها: عمليات فردية وعمليات تنظيمية وعمليات شبه تنظيمية، لكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أن أهم المعيقات التي يمكن أن تحول دون تحوُّل هذه الموجة الثورية إلى حالة انتفاض شامل، وجود حركة فتح "التي لا تؤمن حتى الآن بضرورة الانخراط بعمل جماعي كبير تتبناه قيادتها، ويفضي إلى انتفاضة".
إن حالة الانتفاض في الضفة الغربية -برأي الريماوي-نقيض لرأي السلطة وسياستها، ومن المؤكد أنها ستضر باستقرارها، وهذا يفسر وجود التنسيق الأمني، الذي قال عنه مسؤولون أمنيون (إسرائيليون) إنه "يسير بشكل جيد هذه الأيام"، رغم الهجوم شبه اليومي الذي يشنه رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو على الرئيس محمود عباس.
ورغم ذلك، فإن الريماوي أكد أن الانتفاضة الارتجالية ستحقق باستمرارها إنجازات كبيرة، بخلاف موجات المقاومة المتقطعة.
أما الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة فبني على ما قاله محللون عسكريون وكتاب (إسرائيليون) من أن الأراضي الفلسطينية تشهد بداية انتفاضة ثالثة، مشيرا إلى أن استمرار هذه الانتفاضة يعتمد بشكل كبير على استمرار الاحتلال في إجراءاته القمعية بالقدس والأقصى.
وأشار إلى أن الأجواء التي تسود الضفة محبطة للغاية، "وهذا استدعى الفلسطينيين إلى اللجوء إلى ما يتوفر لهم من طرق تقليدية فردية لمجابهة الاحتلال منها الطعن والدهس ورجم الصهاينة بالحجارة، وهذا نتيجة مباشرة لتغول الاحتلال"، وفق قوله.
وفي الوقت الذي قال فيه رئيس الشاباك الأسبق كرمي غيلون إنه لا يزال من المبكر الجزم بأن هذه انتفاضة ثالثة، أكد المفتش العام السابق للشرطة في سنوات التسيعينيات، آساف حيفتس، أنه "في حال استمرار الأحداث فإن المنطقة كلها ستشتعل"، وقال: "من الصعب الجزم بأنها انتفاضة، لكن بالتأكيد هناك إشارات بهذا الاتجاه".