سمحت تلك النافذة أن تدخل أحبال الشمس الذهبية ليستأنس بها الطفل الكفيف أنس الرفاتي الذي أتم عامه الأول حديثًا، تعمدت أمه وضعه مقابل تلك النافذة لأنها وجدت في ضوء الشمس ما قد يعوضه نور نظره.
هذا أكثر ما تقدمه الأم لفلذة كبدها، إذ أن أنس لا يستطيع اللعب مع أخوته ويجلس دون حركة تُذكر، دائمًا والدته قريبة منه.
عُرضت تقارير أنس الطبية على أطباء بالخارج، ليدخل بصيص أمل في قلب العائلة التي تقطن في مدينة غزة بعدما أكدوا أنه بعد رعاية الله هناك أمل كبير بأن يرى الطفل نور لأول مرة.
ولكن كيف لأنس أن يرى النور وفي جنوب القطاع "بوابة سوداء" تغلقها السلطات المصرية منذ ثلاثة أسابيع وحتى إشعار آخر أفقدت عائلته الأمل بالعلاج.
في قطاع غزة آلاف المرضى والطلبة حالهم كعيني أنس ينتظرون على أحر من الجمر شعاعا يخرج من هناك حيث الظلم والهوان على تلك البوابة المشؤومة.
الأم المنتقبة التي ملأ حضنها ابنها الكفيف وهو غارقًا في نومه تمني النفس أن يكون أنس كباقي أشقائه الثلاثة. يلهو ويلعب في أرجاء منزلها المتواضع.
"بضله قاعد وما بتحرك ولا حركة، بكون يسمع في أخوته وهما بلعبو (..) قلبي بتقطع عليه".
حسرتها التي تبعها صمت منعنا من الوقوف على جرحها أكثر، ولكن آخر ما قالته دعوة للرحمن أن يفتح لها المعبر لعلاج طفلها.
ويعيش أنس بين عائلة مكونة من خمسة أفراد بجانب جدته العجوز، والده متعطل عن العمل.
العملية التي يحتاج إليها أنس ليبصر النور حسب التقارير الطبية التي أرسلها الأطباء في الخارج، هي زراعة قرنية مع فترة رعاية مكثفة، علمًا أن عمليات الزراعة بهذا المجال نجحت بنسبة عالية.
ما يؤكد صحة كلام الأطباء في نجاح العملية أنه قبل (27 عامًا) والد الطفل أنس كانت حالته مشابهة لطفله حين ولد كفيفًا، أجريت له عملية زراعة قرنية في الداخل المحتل آنذاك وأصبح يبصر بعين واحدة.
جدة الطفل هي من أدهشتنا بتلك المعلومة خلال الحديث معها. رفعت يدها إلى السماء مرددة: "يا رب أبصر حفيدي النور مثلما أبصره ابني".
على بوابة المنزل بعدما انتهينا من مقابلة تلك العائلة المجروحة، التقينا بالوالد الذي يرى بعين واحدة والذي كان محياه عبوسًا قال: "كنت أسعد أب في العالم لما جاء الخبر أنه سيتم علاج طفلي، ولكن أنا اليوم أتعس أب بعدما أغلقوا المعبر".