غزة – الرسالة نت
استعرضت دراسة صادرة عن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (JINSA) أثر التفوّق العسكري النوعي للكيان الصهيوني على قدراته الردعية في وجه الدول العربية والفلسطينيين، وذك في ظل الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما.
الكاتب، آساف روميروسكي وهو صهيوني محافظ، يبرر في هذه المقالة تزويد الدولة العبرية بكل طلباتها من المعدات الأمنية والطائرات والتكنولوجيا العسكرية الحديثة من الولايات المتحدة، رافضاً الضوابط التي وضعتها إدارة أوباما والبنتاغون على امتلاك الكيان لبعض تلك التقنيات أو القدرات.
وانتقد الكاتب زيارة جيمس جونز الأخيرة كونها لم تلبي الاحتياجات العسكرية الصهيونية مطالباً بتزويد الكيان بما يلزم ليدافع عن نفسه في بيئة تحوّل ميزان القوى فيها لغير مصلحته برغم التوافق المصلحي في العقد الماضي بين الكيان وكل من السعودية ومصر.
أما الفلسطينيين، فيرى الكاتب أن تدريب قوات السلطة قد تجعل أجهزتها الأمنية أكثر كفاءة في قتال حماس بأي حرب أهلية فلسطينية، كما جرى في غزة قبل عامين، لكنه يعتبر أن التدريب الأمريكي لتلك القوات سينقلب يوماً ما ويُستخدم ضد القوات الصهيونية، كما جرى بداية انتفاضة الأقصى.
حقيقة التفوّق "الإسرائيلي"
أثارت صحيفة فوروارد اليهودية اليومية مسألة التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في كانون الأول الماضي، وناقشت صحيفة هآرتس الموضوع في هذا الشهر وكتبت، "إدارة بوش أخلّت باتفاقاتها المتعلقة بالأمن مع إسرائيل والتي وعدت فيها الولاياتُ المتحدة بالمحافظة على التفوق العسكري النوعي للجيش الإسرائيلي على الجيوش العربية، بحسب مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة أوباما وفي إسرائيل"، مشيرة إلى أن الغرض من زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز لإسرائيل في منتصف كانون الثاني كان مناقشة التفوق العسكري النوعي (كان الهدف من الزيارة في الحقيقة الضغط على إسرائيل للدخول في مباحثات لا جدوى منها مع الفلسطينيين الذين يرفضون التعاون.
تشهد الإدارة الأميركية بأن كل صفقة أسلحة تصدّرها إلى كل دولة عربية على حدة لن تقلب ميزان القوى في المنطقة وبأن إسرائيل تحتفظ على العموم بحق شراء المزيد من أي شيء تحتاج إليه تقريباً
فشل مفهوم التفوق العسكري النوعي في متابعة التغيرات في مبيعات الأسلحة وبرامج التدريب الأميركية على مرّ العقود. كما فشل في متابعة التغيرات في الصورة الإقليمية لإسرائيل وصورة خصومها، والمشكلات التي يواجهها خصومها أنفسهم. وأخيراً، يبدو أن موقف إدارة أوباما من إيران – بما في ذلك الاقتراحات الدبلوماسية التي قُدّمت للحكومة الإيرانية والفشل في التوصل إلى اتفاق مجمَع عليه لفرض عقوبات ذات شأن أو القيام بأي عمل آخر - قد تحوّل من منع إيران من حيازة قدرات نووية إلى تحديد كيفية التعامل مع إيران النووية. إن مضامين حاجة إسرائيل إلى "التفوق" الأمني في مواجهة الرفض العربي والإيراني المستمرّ تبدو مرعبة.
احتاجت إدارةُ بوش إلى مساعدة عرب الخليج في مطلع هذا العقد لخوض الحرب في العراق وأرادت تعزيز قدرتها على معالجة المشكلات كما تراها. لم يبدر اعتراض من جانب إسرائيل التي أصرّت دائماً، على الرغم من سرورها من أن العراق لم يعد في دائرة أعدائها، على أن إيران هي التهديد الحقيقي ونظرت بشكل متزايد إلى علاقات إسرائيل المتنامية.
على أن إدارة أوباما أعلنت عن إبرام صفقات أسلحة جديدة وهامة مع الدول العربية وبالتالي، ما هي المشكلة في عدم اعتبار إسرائيل لهذه الدول مصادر تهديد مباشر؟ المشكلة هي أن الزيادة في حجم المبيعات تتزامن مع تحول في السياسة الأميركية من دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلى دعم "عملية سلام" جديدة تهدف إلى تسوية الحدود وإقامة الدولة الفلسطينية التي "يستحقها" الفلسطينيون كما ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون لأمير قطر. والنتيجة هي أن تغيّر النموذج الأمني المحلي في إسرائيل في وقت تزداد فيه مبيعات السلاح لجيرانها –مع عدم تصدير أسلحة جديدة إسرائيل- يعني أنه هناك مزيداً من الميلان في ميزان القوى.
اعترضت إدارة أوباما على طلب إسرائيل شراء ست طائرات أباتشي هجومية من طراز AH-64D Apache Longbow في حزيران- ووافقت في الوقت نفسه على الصفقة المصرية. وذكرت مصادر أميركية أن الطلب يخضع "لمراجعة بين الوكالات لتحديد إن كان تصدير عدد إضافي من طائرات لونغ بو العمودية سيشكل خطراً على المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة". وأفيد بأن مصدراً قريباً من الإدارة ذكر أنه "خلال الحرب الأخيرة، استخدمت إسرائيل طائرات لونغ بو بكثافة، ووقعت إصابات كثيرة في صفوف المدنيين بقطاع غزة". وبالتالي لم تدفع حماس ثمناً أميركياً على هجومها على شعب إسرائيل، لكن دفاع إسرائيل هو الذي خضع "لمراجعة" أميركية.
امكانية ردع الفلسطينيين
طرأ تغيّر في هذا العقد على الأخطار التي تهدد إسرائيل انطلاقاً من الدائرة الضيقة لأعدائها بطريقة نوعية وذلك بحيازة حماس وحزب الله أسلحة وتلقي عناصر الحزب تدريبات على يد إيران، وتلقي الفلسطينيين (سلطة رام الله) تدريبات على يد الولايات المتحدة.
إسرائيل والولايات المتحدة وافقتا، في ما تبين أنه غلطة تاريخية، على مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية في سنة 2006، مما أدى إلى تغيير الدينامية الفلسطينية بعد الحرب الأهلية الفلسطينية وطرد فتح من غزة. وإدارة بوش هي التي تولّت –بمباركة ومساعدة إسرائيلية- تدريب "قوات الأمن" الفلسطينية تحت قيادة جنرال في الجيش الأميركي.
أنفقت الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين على تدريب الفلسطينيين المنتسبين إلى فتح ليكونوا قوات شرطة، وليكونوا صيادين لأفراد حماس في عهد إدارة أوباما –بناء على نظرية مفادها : كلما أحكمت فتحُ سيطرتها على حماس، قلّت حاجة إسرائيل إلى السيطرة على حماس. حسناًً، لكن من الذي يسيطر على فتح؟
قال رئيس حكومة السلطة الوطنية غير المنتخبة سلام فياض لمقربين له منذ وقت قريب أن ما تصفه الولايات المتحدة بحذر بأنه "قوة أمنية" هو في الواقع نواة الجيش الفلسطيني الذي يخطط لامتلاكه في الدولة الفلسطينية المستقلة التي يخطط للإعلان عنها في مرحلة معيّنة من السنة القادمة. وتستدل تقارير الإعلامية الأخرى بالتوتر المتزايد بين السلطة الفلسطينية والجنرال الأميركي المكلف، حيث يتطلع الفلسطينيون إلى مصادر أخرى، ربما أكثر مرونة، لتلقي التدريب والحصول على السلاح. وينبغي للمرء أن يتمعن في الدعم الذي أفيد بأن وكالة الاستخبارات المركزية توفره لجيش السلطة الفلسطينية.
بقدر ما يوجد شيء اسمه التفوق العسكري النوعي، وهو أمر مشكوك فيه، يتعين أن يتوافر على أقرب مستوى من مواطني إسرائيل بالإضافة إلى ضمان توازنه مع الدول البعيدة. لقد ضاعفت إدارةُ أوباما حجم الأموال التي أنفقتها إدارة بوش على الجيش الفلسطيني وأضافت عشرات الملايين إليها، مما يجعل الفلسطينيين أقل تقبلاً للقيود التي يمكن أن تُفرض على قدراتهم العسكرية المستقبلية.
وفي نهاية الدراسة يقول الكاتب:نحن نفضل تزويد المغرب ببضع عشرات من الطائرات المقاتلة الإضافية على تشكيل عشرات الكتائب التي تتلقى تدريباً أميركياً، ويسيطر عليها فلسطينيون من فتح و حماس وعلى مقربة من المراكز السكانية بإسرائيل.