غزة- محمد أبو قمر
تحاول ربة البيت الأربعينية أم إسماعيل التي تقطن شمال غزة أن تسرع في طهي الخبز وعيناها ترقب عقارب ساعة الحائط خشية أن يداهمها الوقت ويضبط المؤشر على الثالثة عصرا موعد انقطاع التيار الكهربائي حسب الجدول المعمول به في محافظات القطاع.
نسمات الربيع الملطفة للأجواء تخفف من استخدام المواطنين للكهرباء، لكن حرارة الصيف المنتظر ونفحاته الساخنة تجعل السؤال ملحا عن مستقبل الكهرباء ومصير الأزمة من جهة وطبيعة الحلول إن وجدت من جهة أخرى.
تشابك وتدحرج
أزمة الكهرباء المتفجرة منذ منتصف العام 2006 بعد قصف محطة توليد الكهرباء تفاقمت عقب قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بتقنين كميات الوقود اللازمة لمحطة توليد الكهرباء باثنين مليون ومائتي ألف لتر أسبوعيا فقط وهو ما يكفي لتشغيل وحدتين فقط داخل المحطة في حال أوفى الاحتلال بإدخال جميع الكمية المقننة، بما يعادل 65 ميغا واط.
ويعتقد جمال الدردساوي مدير العلاقات العامة بشركة غزة لتوزيع الكهرباء أن الأزمة متدرجة ، وقال " هناك علاقة بين حالة الطقس وزيادة الأحمال والاستهلاك ، لكن ليس هذا الرابط الوحيد ، وإنما نعيش أزمة متراكمة وفي كل فترة نصل لمستوى أكبر من الأزمة ، وهذا منهاج إسرائيلي منذ عدة سنوات للوصول لحالة كهربائية تعكس الشلل شبه التام في كافة الأنشطة الخدماتية والاجتماعية والاقتصادية داخل قطاع غزة.
ويؤكد الدردساوي أن قرار الاتحاد الأوروبي بداية العام الحالي بوقف تمويل فاتورة الوقود زاد من أزمة الكهرباء وهبط بإنتاج محطة التوليد لثلاثين ميغا ينتجها مولد واحد فقط.
وأوضح أن تلك الكمية مرشحة للهبوط مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف لتصل الى 22 ميغا واط فقط.
وبحسب الدردساوي فأن الكمية التي كان يدخلها الاحتلال المقدرة بتسعة مليون لتر شهريا تراجعت بشكل متدرج منذ بداية العام أي عقب قرار الاتحاد الأوروبي حتى وصلت الى أقل من خمسة ملايين خلال شهر مارس المنصرم أي بما قيمته 56% من الكمية المقلصة أصلا.
من الجدير بالذكر أن نسبة ما وصل لقطاع غزة خلال شهر يناير وصلت الى 85% من الكمية المسموح بإدخالها ، وتراجعت في فبراير الى 71% .
أزمة صيف
ووسعت كمية الكهرباء المحدودة المتاحة الفجوة بشكل خطير بين المطلوب الكهربائي الفعلي وبين المتاح لدى شركة توزيع الكهرباء.
وكما تتوقع شركة الكهرباء فان الحاجة الفعلية لقطاع غزة قد تصل هذا الصيف ما بين 280-300 ميغا ، لافتة الى أن ما هو متاح من كافة المصادر يقدر بـ 167 ميغا في حال تشغيل وحدة واحدة بمحطة التوليد وهو المعمول به منذ بداية مارس حتى الآن، حيث أوقفت المحطة عمل مولد وبقيت على واحد فقط .
ويزود الجانب الإسرائيلي القطاع بما يقدر بـ 120 ميغا واط، فيما تصل من الخطوط المصرية 17 ميغا أخرى وهي كميات ثابتة ، بالإضافة لما تنتجه المحطة من كمية متغيرة ارتهانا بالوقود وأيام عمل المعبر معبر والحالة الجوية .
وتعكس الكميات المتاحة العجز على ارض الواقع من خلال انقطاع التيار الكهرباء على منازل المواطنين تصل لأكثر من ستة عشر ساعة في اليوم ، يليها ثمان ساعات في اليوم التالي ، وذلك تطبيقا لبرنامج يقوم على فصل التيار الكهربائي.
ويتابع الدردساوي " إذا بقيت الأوضاع على حالها عليه فمن المعروف أن الأحمال تزداد في فصل الصيف أمام كمية ثابتة بل مرشحة للنقصان مما ينذر بان وضع كارثي سيهيمن على مجريات الحياة العامة وانهيار لأجزاء كبيرة من الشبكات تحت وطأة هذه الأحمال".
وفي السياق ذاته قال المهندس كنعان عبيد رئيس سلطة الطاقة "رغم اعتدال درجات الحرارة وانخفاض الطلب على الطاقة الكهربائية فإن العجز الحالي يزيد عن 40%، ويتم حالياً تشغيل وحدة واحدة بطاقة 25 ميجاوات، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة ويزداد العجز بمجرد ارتفاع درجات الحرارة واستمرار انخفاض كميات الوقود المُوردة إلى القطاع".
وأكد أن الأزمة ستتضاعف عند حصول أعطال على الخطوط والشبكة بسبب ارتفاع درجة الحرارة ،وتوقع ارتفاع نسبة العجز إلى أكثر من 50%.
فيما شدد الدردساوي على أن شبكة الكهرباء بحاجة لأعمال صيانة مضاعفة ومستمرة لمواجهة مثل الأحمال الواقعة عليها، وأضاف " في ظل الوضع الخاص الذي يعيشه القطاع تصبح الشبكات بحاجة ماسة لصيانة دائمة ومضاعفة وهذا يتطلب توفير مواد لازمة لذلك ، وهي غير موفرة بالقدر الكافي لدى الشركة بسبب تعقيدات وصعوبة الوصول عبر المعابر".
جباية الكهرباء
وبعد وقف الاتحاد الأوروبي تمويل الوقود المخصص لمحطة التوليد باتت الأوضاع أكثر تعقيدا كما يرى الدردساوي ، ونوه الى أن المطلوب من المواطنين أن يدركوا قيمة خدمة الكهرباء التي هي عبارة عن سلعة مدفوعة الثمن ، وقال " يجب أن يسود ذلك المفهوم لدى المواطنين ، ولضمان استمرار التيار وتلبية احتياجات المواطنين لا بد من تسديدهم لما عليهم من مستحقات تجاه حقهم في الحصول على الكهرباء".
ويقول الدردساوي " ما يتم جبايته من المواطن شهريا في أحسن الأحوال لا يتجاوز 18 مليون شيقل في حين أن تكلفة الكهرباء الشهرية لقطاع غزة تتجاوز المائة مليون شيقل" ، وتابع " أي أن نسبة الجباية لا تتجاوز 17% من التكلفة العامة".
ويشير مدير العلاقات العامة الى أنه مطلوب من الشركة أن تسدد بشكل شهري 40 مليون شيقل للشركة الإسرائيلية الموردة للكهرباء ، الى جانب و3.2 مليون شيقل للشركة المصرية، الى جانب 10 مليون شيقل "2.5 مليون دولار" لمحطة توليد الكهرباء بشكل دوري في جميع الأحوال باعتبارها مشروع استثماري ، الى جانب 50 مليون شيقل شهريا كانت تكلفة الوقود اللازم لتشغيل مولدين للمحطة.
من الجدير ذكره أن ثمن الوقود يتغير حسب الكميات الواردة ، وتجري شركة التوزيع الإجراءات المالية من جميع الشركات التي تتعامل معها عبر السلطة.
ويشير الدردساوي الى أن الأموال التي كان يدفعا الاتحاد الأوروبي كانت بمثابة منحة وتوقفت مما اضطر شركة التوزيع لإعادة دفعها من جديد .
وحسب العقود فان شركة التوزيع يقع على عاتقها دفع ثمن الوقود ، لكن في ظل الأوضاع الصعبة التي يحياها قطاع غزة فان الاتحاد الأوروبي تبرع بمبالغ الوقود لتوفير الخدمة للمواطنين ، ثم تراجع عن قراره .
ويؤكد الدردساوي أن الشركة غير قادرة على توفير المبالغ المخصصة للوقود فتضطر السلطة لدفعها من خلال القروض المفتوحة على شركة التوزيع.
حلول غائبة
وقد بذلت كافة الجهات المسئولة عن قطاع الكهرباء جهودا في سبيل الوصول لحلول سريعة وطرح تصورات للحلول الإستراتيجية.
ويعتقد الدردساوي أن أسرع الحلول يكمن بتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء بكامل طاقتها المتاحة، وذلك ليس صعبا في ظل الوضع العربي والدول النفطية التي بإمكانها توفير الوقود.
ويتمحور الحل الثاني بتشغيل محطة توليد الكهرباء بالغاز المصري لاسيما أنها مصممة لأجل ذلك، وهو مشروع قائم بحاجة لتفعيل .
وذكر أن المشروع الاستراتيجي المقترح يقوم على الربط مع الشبكة المصرية ضمن المنظومة الإقليمية وهي دول الربط الثماني لاسيما وأن مركز التوريد الرئيسي هي مصر الملاصقة لقطاع غزة.
وأضاف الدردساوي " نعلق على مشروع الربط كل الأمل في المستقبل ، لاسيما أنه تم انجاز الكثير من مقتضياته القانونية والفنية الأولية وكذلك التمويل الذي تم توفيره"، مشيرا الى أن المشروع بحاجة لقرار ببدء التنفيذ، مع أنه بحاجة لـ 22 شهر من العمل فقط .
واستدرك الدردساوي وقال أن تلك الأمور بحاجة لتهيئة ظروف سياسية واقتصادية عامة حيث تلك المشاريع تحتاج لمواد هائلة لإدخالها لقطاع غزة، وهو يتطلب فك الحصار.
فيما استغرب عبيد من صمت الإعلام ومؤسسات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، منوها الى أن الوعود التي ترددت من عدة جهات لم تتحقق منها شيء، وأكد على أن حكومة رام الله والاتحاد الأوروبي يتحملان المسئولية.