جبهتنا الداخلية من أغنى جبهات المنطقة خبرة؛ بفعل المناورات الحية التي نجريها إجباريا، ما أدى إلى تراكم تجربة واسعة في التعامل مع الكوارث والأزمات والحروب باعتبار أننا مثل: "خد وتعوّد على اللطام".
على سبيل المثال نتمتع بخبرة في عمليات الإخلاء وإعادة الانتشار، وأصبحت العائلة الغزية مستنفرة دائما، تحزم أمرها عند أول نداء أو تحذير بالخطر، في ظل قناعتهم التي اكتسبوها على مر السنين بأنهم لا يمتلكون أدنى متطلبات الحماية والأمان، مع الإيمان باننا لا زلنا على قيد الحياة ولم ننقرض بقدر الله.
مرت غزة بـ 3 حروب كبيرة شبه موسمية خلال الخمسة أعوام ماضية، أجبرت نحو 90% من السكان على الإخلاء والنزوح، ثم إعادة تموضع، وفقا لخطة محلية رمزها الكودي" مكانك در"، وهي تعني أنه بعد النكبة 1948 والنكسة 1967، لم يعد يفكر الفلسطينيون اليوم باللجوء إلى مناطق أو دول مجاورة؛ لأنهم اكتشفوا أن نار الوطن ولا جنة العرب، ومذلة الغربة، لهذا يعيدون انتشارهم من مخيم لآخر، ومن حارة إلى مدينة.
الأسبوع الماضي نفذ أهالي منطقة النفق، شرق غزة، عمليات إخلاء هربا من مياه الأمطار وتحسبا من تفجر مياه المجاري، ظاهرة جديدة تتكرر للعام الثاني على التوالي تفاديا لتكرار آثار العاصفة "اليكسا" التي ضربتهم العام الماضي.
حالة الاستنفار والتحفز عنصر أساسي في التركيبة النفسية والعصبية للمواطن الفلسطيني سواء في الداخل أو الشتات، بسبب خوازيق الأشقاء في الخارج، وغزوات الأعداء في الداخل، وضعف البنية التحتية أمام قسوة الطبيعة، وأصبح الفلسطيني مثل الضفدع، يقفز من مكان إلى آخر، ويحاكي الكنغر في حمل أبنائه في حضنه، ليلوذ بهم إلى بر الأمان.
في المحصلة أصبح لدينا شعب متمرس في طرق الإخلاء، وعمليات الإغاثة والإنقاذ، تجربة في أساليب الدفاع المدني، خبرة في تقدير الأضرار، وأكثر من كل ذلك قدرة على إعادة البناء والتخييم بسرعة، وتشكيل المخيم والحارة مجددا، ثم الاستعداد للإخلاء التالي، هكذا أصبح المأوى هو المتغير، والنزوح هو الثابت، والبيت مثل الثوب المرقع، وعلى رأي المثل: "ثوب العيرة لا يدفئ، وإن دفّى لا يدوم".