في الذكرى السابعة والعشرين لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، رحل جيل وخلفه جيل آخر، وما بينهما كانت مسيرة من الأجيال التي حطمت المعادلة وامتطت صهو الانتصارات.
هم ثلة من قيادة جماعة الاخوان الذين أخذوا على عاتقهم هم تأسيس الدعوة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على تفعيل المقاومة الإسلامية فيها، فكتبوا بيان حماس الأول ، مع انطلاقة الحجر في الانتفاضة الأولى عام (1987)، ليعلنوا ميلاد حركة عملاقة، اختارت المصحف والبندقية شعارا ومنهجا، لتعيد المجد لوطن جريح مكلوم.
سبعة رجال شيدوا صرح حماس المتين، ورسموا معالم طريق النصر والتمكين، وسطروا أروع ملاحم العز والفخار، ووضعوا لبنات مستقبل التحرير، ليكون منهم الأسير والجريح، ومن لقي ربه شهيدا. رجال كالجبال الشامخات، هم مؤسسو حركة المقاومة الإسلامية حماس.
أحمد ياسين.. شيخ المجاهدين
ولد أحمد إسماعيل ياسين في قرية تاريخية عريقة تسمى جورة عسقلان، التابعة لقضاء مدينة المجدل، التي تقع علي بعد 20 كيلو متر شمالي غزة، في شهر يونيو من عام 1936، وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية، مات والده وعمره لم يتجاوز ثلاث سنوات، وكني في طفولته بأحمد سعدة، نسبة إلى أمه السيدة سعدة عبد الله الهبيل، لتمييزه عن أقرانه الكثر من عائلة ياسين الذين يحملون اسم أحمد.
كان أحمد ياسين يبلغ من العمر (12عاماً)، حين وقعت نكبة فلسطين عام 1948، هاجرت أسرته إلى غزة مع عشرات الآلاف من الأسر التي طردتها العصابات الصهيونية.
تعرض وهو في السادسة عشر من عمره لحادثة أثرت في حياته كلها، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق إثر مصارعة ودية بينه وبين أحد زملائه عام 1371هـ - 1952م، وبعد 45 يوماً من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس، اتضح بعدها أنه مصاب بشلل رباعي.
وبعد إصابته بالشلل، كرس أحمد ياسين شبابه لطلب العلوم الإسلامية، حيث درس في جامعة الأزهر في القاهرة. ورغم تعرضه لشلل شبه كامل في جسده، تطور لاحقاً إلى شلل كامل؛ إلا أنه لم يثنه الشلل عن مواصلة تعليمه وصولاً إلى العمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية في المدارس الحكومية بقطاع غزة. وانتظم الشيخ ياسين في صفوف جناح المقاومة الفلسطينية، ولكنه لم يشتهر إلا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، حيث أصبح رئيساً لتنظيم إسلامي جديد، هو حركة المقاومة الإسلامية، أو اختصاراً "حماس".
وقد عانى أحمد ياسين إضافة إلى الشلل التام من أمراض عديدة، منها فقدان البصر في العين اليمنى، بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات "الإسرائيلية" فترة سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن، وحساسية في الرئتين، وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى. وقد أدى سوء ظروف اعتقاله إلى تدهور حالته الصحية، مما استدعى نقله إلى المستشفى مرات عدة، بل تدهورت صحة أحمد ياسين أكثر، بسبب اعتقاله، وعدم توفر رعاية طبية ملائمة له.
في يوم (22-3-2004)، استشهد شيخ المجاهدين في هذا العصر أحمد ياسين، وزلزل الناس، فحق للرجال الرجال أن تبكيه.
عبد العزيز الرنتيسي.. أسد فلسطين
أسد فلسطين، والطبيب الشهيد، البطل الهمام، خليفة الياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولد في (23 أكتوبر 1947م)، في قرية يبنا (تقع بين عسقلان ويافا)، ولجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمره وقتها ستة أشهر، ونشأ الرنتيسي بين تسعة إخوة وأختين.
التحق وهو في السادسة من عمره بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واضطر للعمل أيضا وهو في هذا العمر، ليساهم في إعالة أسرته الكبيرة، التي كانت تمر بظروف صعبة، وأنهى دراسته الثانوية عام 1965م.
وتنحدر عائلةالدكتور عبد العزيز الرنتيسي إلى قرية رنتيس شمال غرب رام الله؛ بحيث اضطرت العائلة لمغادرة القرية في بداية الأربعينات، بسبب خلاف مع إحدى عائلات القرية، ولقد كان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي مخلصا ومحبا لقرية رنتيس، ويقال بأنه زار القرية في بداية الثمانينات من القرن المنصرم.
ويتذكر الرنتيسي طفولته، فيقول: "توفي والدي وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية، فاضطر أخي الأكبر للسفر إلى السعودية من أجل العمل".
في السابع عشر من أبريل عام 2004م، كان الرنتيسي على موعد مع لقاء ربه شهيدا، عندما أقدمت طائرات الاحتلال الصهيوني على استهداف سيارته، بعد أقل من شهر على استشهاد الشيخ المؤسس أحمد ياسين.
إبراهيم اليازوري.. رفيق الياسين
أحد الرجال الذين رافقوا الشيخ أحمد ياسين في مسيرة تأسيسه حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ولد الشيخ اليازوري في قرية بيت دراس عام 1942م، ليعيش في قريته سنوات قلائل، ولم يكمل الصف الأول بها نتيجة حرب 48 التي اندلعت.
وخلال رحلة الهجرة، انتقل اليازوري من قرية لقرية، هربًا من بطش العصابات الصهيونية، لينتهي به وبذويه الحال في مخيم خانيونس، حيث استقروا بخيمة في المعسكر الغربي مقابل المسجد الشافعي حاليا بمدينة خانيونس.
تعلم في خانيونس المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، ومن ثم انتقل للجامعة في العام 1960م، ودرس في جامعة القاهرة، والتحق بكلية الصيدلة.
عبد الفتاح دخان.. أحد المؤسسين
من مواليد عام 1936، أحد المهجرين من بلدة "عراق السويدان" عام 1948، وهو من السبعة المؤسسين لحركة حماس، قدم اثنين من أبنائه شهداء، على مذبحة البطولة والفداء، وهما "طارق وزيد"، واعتقل ابنه محمد في التسعينات من القرن الماضي، وحكم عليه بعدد من المؤبدات، ولا يزال يقبع خلف سجون الاحتلال.
عاش أبو أسامة حياة مليئة بالصعاب، واعتقل أكثر من مرة لدى قوات الاحتلال وأجهزة السلطة، وهو أحد المبعدين إلى مرج الزهور، ونائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، ويقطن الآن في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وهو على يقين بعودته إلى بلدته الأصلية التي هجر منها طفلا صغيرا.
شمعة.. رئيس مجلس شورى حماس
أحد رواد التيار الإسلامي في قطاع غزة، ومن مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ثمانينات القرن الماضي، ورئيس مجلس الشورى فيها.
ولد محمد حسن شمعة (أبو الحسن) بمدينة المجدل عام 1935، قبل أن ينزح مع أهله إلى مدينة غزة بعد الاحتلال الصهيوني في العام 1948.
التحق بالإخوان المسلمين في مدينة غزة، وهو طالب في المرحلة الإعدادية منذ مطلع الخمسينات، قبل أن تمنع تنظيمات الإخوان بقرار من السلطات المصرية.
بدأ شمعة مع الشيخ أحمد ياسين وعدد قليل من الأشخاص الجهود لإعادة تنظيم وتفعيل جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة مباشرة بعد العام 1967، ويعد مع الشيخ ياسين أبرز المؤسسين السبعة لحركة حماس في ديسمبر/كانون الأول 1987.
اعتقلته قوات الاحتلال في سبتمبر/أيلول 1988، ومكث نحو 13 شهرا في السجون، كما أبعد مع المئات من قيادات وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان في ديسمبر/كانون الأول 1992.
شغل حتى وفاته منصب رئيس مجلس الشورى في حركة "حماس"، الذي يعد أعلى مرجعية بالحركة، توفي في (10 يونيو/حزيران 2011)، إثر إصابته بجلطة دماغية عن عمر يناهز 76 عاما.
محمد النجار.. باني الأجيال
في العام (1927) كان ميلاد طفل صغير للحاج عبد خطاب النجار، الذي آثر تسمية هذا الطفل "محمد"، لعلمه بأنه من خير الأسماء.
نشأ الحاج محمد النجار في أسرة كريمة من خان يونس، وقد عرف بين أقرانه بالهدوء وحسن الخلق، ولكنه في نفس الوقت كان شعلةً في النشاط والحيوية.
وقد ذكر ذلك عنه شقيقه الأكبر الحاج عايش النجار، الذي ذكر بأن الحاج محمد كان منذ صغره محبوباً بين الجميع، فقد كان لا يتأخر عن مساعدة أحد من الجيران أو الأصدقاء، وقد استمر على هذه الحال حتى وفاته رحمه الله.
التحق الحاج محمد النجار بجماعة الإخوان المسلمين، وكان عضواً فاعلاً فيها في قطاع غزة، وقد كان ذلك بمثابة الوسيلة التي استطاع من خلالها أن يصل إلى ما كان يصبو إليه من إنشاء جيل مسلم، يكون على يديه نصر الأمة الإسلامية ورفعتها، وقد كان من أقواله في هذا المجال: "الحمد لله الذي أحياني هذه الفترة الطويلة في طريق الدعوة، وقد أراني خلالها الكثير من الأمور التي أعز الله بها الإسلام على هذه الأرض المباركة".
محمد طه.. العالم الرباني
ولد الشيخ محمد طه عام 1937في قرية "يبنا" داخل الأراضي المحتلة لعام 1948، تلقى تعليمه في مرحلة الابتدائية في قرية يبنا، قبل أن تهجرهم العصابات الصهيونية هو وأسرته والألاف من الفلسطينيين قصرا ورغم عن إرادتهم، حيث انتقل إلى العيش في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة وأتم دراسته في المخيم، ثم عمل في التدريس في مدارس وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لأكثر من 22 عاما.
انضم طه منذ الصغر لجماعة الإخوان المسلمين، وكان أصغر عضو في جماعة الإخوان في فلسطين، برفقة الشيخ أحمد ياسين والشيخ حماد حسنات، والشيخ عبد الفتاح دخان، والدكتور إبراهيم المقادمة، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم من قادة الإخوان في فلسطين.
أكمل طه دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة، لينال منها الشهادة الجامعية في الشريعة الإسلامية، وعمل الشيخ مأذونا شرعيا، وخطيبا لمركز التقوى في مخيم البريج، الأمر الذي أمكنه من ممارسة دوره في توصيل الحقيقة وكلمة الحق علي لسانه، وكان أحد رجال الإصلاح البارزين، ومحكما لشريعة الله في الإصلاح.
يعتبر الشيخ طه من القادة الذين أسسوا حركة "حماس" برفقة الشيخ ياسين، في كانون الأول - ديسمبر من عام 1987، اعتقل عدة مرات في سجون الاحتلال، ونفي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992، برفقة نجله البكر أيمن، وصهره والمئات من القادة في حركة حماس والجهاد الإسلامي.
هدمت قوات الاحتلال منزله في مخيم البريج وسط قطاع غزة في آذار/مارس لعام 2003، من ثم اغتالت نجله ياسر أحد خبراء المتفجرات في كتائب عز الدين القسام. وتوفي الشيخ طه يوم (11 نوفمبر 2014)، وذلك عن عمر يناهز 77 عاما بعد صراع طويل مع المرض.