قائد الطوفان قائد الطوفان

بعد 5 سنوات من اندحار العدو عنها

محررات غزة .. بين الاستثمار وشح الموارد

ندرة المياه تعثر استغلالها ومحاولات للتخفيف من الأزمة

المحميات الطبيعية والاستثمارات الإسكانية تتصارع عليها

غزة- فادي الحسني-الرسالة نت

تبدد الأراضي القاحلة في محررات قطاع غزة، جمال أشجار النخيل المتمايلة مع نسمات الربيع، ورقصات الأسماك الراقدة في أحواض الاستزراع السمكي، وزهو الأماكن السياحية المقامة في تلك المحررات.

ويرجع مسئولون ضعف استثمار تلك المناطق القاحلة لشح المياه، لكن البعض الآخر أكد أن 80%  منها نجحوا في استثماره رغم ندرة المياه، بينما دفعت وجهة نظر ثالثة باتجاه تحويل المحررات لمحمية طبيعية.

وبين وجهات النظر المختلفة، فإن سؤالا يفرض نفسه: بعد خمس سنوات من اندحار الاحتلال عنها كيف استثمرت محررات غزة ؟.

تمثل40%

واندحر الاحتلال عن اثنين وعشرين محررة تمثل 40% من مجمل مساحة قطاع غزة، جرى استثمار 19 منها-بحسب الإدارة العامة للمحررات- بينما الثلاثة المتبقية لم تستثمر.

وبحسب إحصاءات الإدارة العامة للمحررات فإن مناطق المحررات المختلفة تحتوي على 2200 دفيئة زراعية.

وسبق وأن أعلن رئيس سلطة الأراضي السابق د. فارس أبو معمر أن هناك تعديات  كبيرة  على المحررات، وقال:"المواطنون زحفوا بشكل عشوائي على محررة (ميراج) بخان يونس، إضافة إلى الخط الفاصل بين المحررات غرب القرارة وجنوب دير البلح.

وللإطلاع على أوضاع المحررات، زارت "الرسالة" مناطق مختلفة منها، فوجدت أن محررات الشمال الثلاثة (دوجيت، إلي سيناي، نسانيت) خلت من المشاريع الاستثمارية، وبقيت الكثبان الرملية على حالها ينقب بها عمال عن الحصى، فيما احتوت محررات وسط القطاع وجنوبه على مشاريع سياحية كمدينة أصداء للإنتاج الإعلامي، وعدد من المشاريع الزراعية كالمشاتل والدفيئات الزراعية ومدينة بيروحاء النخيل، إضافة إلى أحواض للاستزراع السمكي، بينما خصص مساحة ليست بالبسيطة لـ "كسارة" تقوم على تفتيت الركام.

الإدارة العامة للمحررات بدورها أكدت أن الإحصاءات المتوفرة لديها تعكس استثمار 80% من هذه المحررات.

ويؤكد حماد الرقب مدير عام المحررات، أن القطاعين الحكومي والخاص في قطاع غزة نجحا في استثمار ٨٠ ٪ من أراضي المحررات، متوقعا أن تصل نسبة استثمار المحررات مع نهاية العام الحالي لـ100%.

وبين الرقب أن إدارته أعدت خطة خماسية تهدف إلى الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي عبر المشاركة في سد الفجوة الغذائية، مؤكدا وجود محررات يديرها القطاع الحكومي وأخرى يديرها القطاع الخاص من مؤسسات خيرية ودولية.

ونوه إلى أن المشاريع في المحررات تتنوع ما بين إنتاج نباتي وحيواني وسمكي, وتشغل آلاف الأيدي العاملة من فنيين ومزارعين وعناصر أمن.

وأفاد الرقب بأن حجم الأراضي الزراعية في منطقة مجمع محررات "الشهداء" الواقعة جنوب جامعة الأقصى جنوب قطاع غزة, تبلغ قرابة ١٥٠٠ دونم حتى الآن, وتحتوي على الأشجار المثمرة بأنواعها المختلفة  كالحمضيات والمانجو والخوخ والتفاح والعنب.

وبيَّن أن إنتاج المحررات من قبل القطاع الخاص من الفواكه, كالبطيخ والشمام إضافة إلى البصل والثوم, سيسد حاجة قطاع غزة وسيغنى عن الاستيراد، مؤكدا أن إدارته ستعمل على إقامة مصنع للمياه المعدنية وستكون له خطوط لإنتاج العصائر, إضافة إلى إقامة مشروع الألبان.

لكنه في الوقت ذاته علل عدم استثمار المحررات الثلاثة الواقعة شمال القطاع، بأنها متاخمة للحدود مع الاحتلال، الأمر الذي يحول دون إقامة مشاريع فيها.

قليلة الاستهلاك

وزارة الزراعة من جانبها تحاول أن تدفع باتجاه استصلاح أراضي المحررات من خلال إنتاج محاصيل زراعية تعاني من نقص، وتجنب زراعة المحاصيل الفائضة.

كما أنها تنتهج سياسة المحافظة على مصادر المياه، على أساس أن المحررات تسهم بشكل أو بآخر في تزويد البئر الجوفي بالمياه، لذلك تشجع على زراعة محاصيل قليلة الاستهلاك المائي، كما يقول حسن أبو عيطة وكيل مساعد وزارة الزراعة.

وأضاف أبو عيطة "العامل الأساسي في عملية استغلال المحررات، هو المياه"، مشيرا إلى أن هناك مشاريع أخرى غير الزراعة كالإنتاج الحيواني المتمثل في مزارع الحلوب وتربية الأغنام، والتي ينوون تنفيذها بالاشتراك مع جمعية الرحمة الكويتية، وهو ما يعكس رغبتهم في استثمار تلك المحررات.

وبين أن اللجنة العليا للتنظيم التابعة للحكومة في قطاع غزة، هي من تخصص المناطق الزراعية والحرفية والصناعية المنوي إقامتها في المحررات لاستثمارها.

وتقيم وزارة الزراعة –كما يقول أبو عيطة- مشاتل لإنتاج الزيتون وأخرى للنخيل والنباتات العطرية والطبية، إضافة إلى مزارع إنتاج الحمضيات، بمعنى أن هناك جزءا كبيرا جرى استثماره من هذه الأراضي.

وأكد أن الوزارة اعتمدت سياسة إحلال الواردات لتحقيق الاكتفاء النسبي بالنسبة للمحاصيل التي تعاني من عجز، موضحا أن هناك اكتفاء ذاتيا في بعض أصناف الخضار، لكنهم لجئوا لزراعة بعض المناطق في المحررات بمحاصيل البصل والثوم والشمام والبطيخ، لأنها محاصيل تعاني من عجز.

ولفت وكيل الوزارة المساعد إلى أن وزارته لم تسمح للمواطنين باستصلاح أراضي المحررات، وذلك لصعوبة تنظيم المساحات البسيطة، لافتا إلى أن العديد من الأراضي جرى استئجارها من قبل جمعيات ومؤسسات قادرة على استغلال المساحات الواسعة.

ويبدو أن لسلطة المياه وجهة نظر مختلفة تماما عن سابقاتها، حيث ترى أن المشاريع الزراعية المقامة على أراضي المحررات تؤثر على الخزان الجوفي للمياه، وتزيد استنزافه.

ويقول مدير عام مصادر المياه في سلطة المياه مازن البنا :"قدرة الخزان الجوفي على تزويد الأراضي الزراعية في مناطق المحررات، محدودة، وهي تتعلق بكمية الأمطار الساقطة على تلك المنطقة، واستخدامها في ري المحاصيل سيزيد من استنزاف الخزان الجوفي".

حتى لا تستنزف

ونصح البنا بضرورة ألا تستثمر أراضي المحررات بشكل كبير، حتى لا تستنزف الموارد المائية، ويقول: "مجمل أراضي المحررات تحتوي على مياه محدودة المصدر، والاستهلاك يجب أن يكون أقل من كمية مياه الأمطار المغذية للخزان الجوفي، وإلا ستؤثر مياه البحر على الخزان".

وانتقد زحف مدينتا خانيونس ورفح على آبار مياه المحررات القريبة منهن، ووصفه بأنه "تحد للمستقبل" كما قال. 

ولم تذهب سلطة البيئة بعيدا عن سلطة المياه، حيث شددت هي الأخرى على ضرورة الالتزام بالمخطط الإقليمي الذي وضعته وزارة التخطيط بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، والذي يصنف المحررات لمناطق زراعية ومحميات طبيعية وأخرى سياحية.

ورفض بهاء الأغا مدير وحدة المشاريع والتخطيط في سلطة البيئة، تشجيع استثمار المحررات سكنيا، على اعتبار أن المياه الساقطة على المحررات مرشحة لتزويد الخزان الجوفي الذي يعاني أصلا من شح، بالمياه، داعما التوجهات القائمة على عدم زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي الكبير.

وقال الأغا :"نحن نشجع الاستفادة من المحررات عبر زراعتها، ولكن يجب ألا تكون هذه المحاصيل ذات استهلاك مائي كبير"، مطالبا بضرورة استغلال المحررات بالطريقة الأمثل التي تحقق الفائدة (طويلة المدى) للوطن.

وأوضح أن سلطة جودة البيئة تخصص مساحة ستة كيلو متر مربع كمحمية طبيعية في المحررات الواقعة بين محافظتي رفح وخانيونس، لكن بفعل الحصار غير قادرة على إنشائها ووضع السياج لها.

وبعد أشهر من الانسحاب الإسرائيلي من محررات القطاع، جرت الانتخابات التشريعية في يناير 2006، والتي أعقبها حصار مشدد على القطاع، الأمر الذي أعاق تنفيذ العديد من مشاريع التمنية والتطوير في الأراضي المحررة.

ونوه الأغا إلى أن المشاريع الترفيهية والزراعية بالإمكان إنشائها في ظل الحصار، لكن على العكس تماما يصعب إنشاء مشاريع تنموية كبرى.

وعن تأثير الموقع المخصص لتكسير الركام في محررات الجنوب،على التربة، قال الأغا: "هذا الموقع جرى تجهيزه سابقا عند الانسحاب الإسرائيلي من غزة في العام 2005 من قبل صندوق الأمم المتحدة الإنمائي (U.N.D.P) بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، لتكسير ركام المحررات آنذاك، ويستفاد منه حاليا من تدمير مخلفات الحرب، ولكنه فعليا يوجد به بعض السلبيات".

ولكن أشار في الوقت نفسه إلى أن البقعة المقام عليها (الكسارات) تعتبر الخيار الأمثل لتجنب الضرر المتمثل في الضوضاء والغبار، خاصة أنها بعيدة عن المناطق السكنية.

تقطير المياه

وتلتقي الإدارة العامة للمحررات مع كل من وزارة الزراعة وسلطتي المياه والبيئة، في حرصها على عدم استنزاف المياه في تلك المناطق، وكشف الرقب – مدير المحررات - عن مشروع جديد ينوون تدشينه يتمثل في تقطير مياه الصرف الصحي لري المزروعات، مؤكدا أنهم يبحثون عن تمويل لهذا المشروع حتى يجري تنفيذه على الأرض.

وأشار إلى أن هناك مشروعا لإنشاء قرية سياحية إضافة لمتنزه إقليمي في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة.

وعن تأثير المشاريع المقامة حاليا في المحررات على المياه التي تعاني من شح، قال :"نحن نزرع مئات الدونمات بالأشجار وهي أقل بكثير في الاستهلاك المائي من الخضروات".

وألمح إلى أن مزرعة المانجا المقامة في محررة طيبة (نتساريم) الواقعة وسط القطاع، لم تروى بمياه شرب، قائلا: "تروى المانجا بمياه معالجة ولكن ليست مياه شرب، واستخدامها لن يؤثر على الخزان الجوفي".

وتابع قوله: "في محررات القطاع الجنوبية ركزنا على زراعة اللوزيات والتفاح والأشجار التي بانتهاء موسهما تكون أشبه بالبيت الشتوي، أي لن تستهلك كثيرا من المياه".

محمية طبيعية

لكن وزارة التخطيط وهي عضو في لجنة تخصيص الأراضي، أكدت أن هناك تخطيطا لحماية المحررات وإعادة تأهيلها كمحمية طبيعية تحوي على نباتات نادرة.

وتؤكد إيناس الرنتيسي مسئولة إدارة الموارد في وزارة التخطيط أن لديهم مخططا لاستعمالات أراضي المحررات، مشيرة إلى أن مساعيهم تتجه نحو إعادة المحررات كمحمية طبيعية كما كانت عليه قبل عشرات السنوات.

وأوضحت الرنتيسي أنهم يسعون لإلغاء تخصيص بعض الأراضي في المحررات خاصة السكنية كمدينة "الشيخ خليفة" الإسكانية، ومدينة إسكانية أخرى تتبع وكالة الغوث، مطالبة بان تحول هذه الأراضي لمحمية طبيعية.

وأشارت إلى أن أتيح الاستثمار للغرض الزراعي والسياحي، لكنهم يحاولون قدر المستطاع ألا تكون هذه الأرض سوى محمية، وقالت: "الأراضي المتبقية في  غزة هي أراضي المحررات، وهي من حق كل أجيال فلسطين".

وأضافت: "إذا أقيمت منشآت فإنها ستؤثر على الخزان لجوفي.."الزراعة" أيضا في تلك المناطق يجب أن تكون مشروطة".

وبينت الرنتيسي أنه وحسب مخطط استعمالات الأراضي فهناك مخطط لإقامة مدن سياحية على أطراف المحمية.

ولفتت إلى أن المخطط الإقليمي الذي جرى وضعه في وقت سابق، يقترح منطقة (نتساريم) كمتنزه وطني، لكنها قالت:"للأسف جرى تخصيص كافة الأراضي المحررة ما قبل عام 2006 لأغراض اخرى فقط".

وترجع أهمية أراضي المحررات إلى كونها ثروة بيئية مهمة يجب حمايتها، وبالتالي فإنه من الضروري تخصيص هذه الأراضي كمحمية طبيعية تحقيق مبدأ الاستدامة من اجل توفير مناطق ذات جودة لها القدرة على العطاء من اجل الأجيال القادمة.

البث المباشر