رغم ما راكمت عليه الحرب الأخيرة على غزة من انجازات لصالح حركة حماس وجناحها العسكري، لكن ثمة تحد لا يزال يعيق الوصول الى مرحلة أكثر استقرارا وانفتاحا مع المحيط العربي والدولي.
اليوم وعلى اعتاب عام جديد، تطوي حماس صفحة من عمرها فيها ما فيها من انجازات، أهمها: تنامي القوة العسكرية، إضافة إلى تعزيز دور الحلفاء في المنطقة، ولاسيما التركي-القطري مع استعادة العلاقة مع إيران، فضلا عن شطب القضاء الأوروبي اسمها عن لائحة منظمات الإرهاب.
ذلك كله يعكس مدى قدرة الحركة على الصمود أكثر من أي وقت مضى، وفق ما يرى سياسيون فلسطينيون، لكن ماذا عن مستقبل المصالحة والقضايا الكبرى، كالانتخابات واعادة هيكلة منظمة التحرير، وانهاء عقدة الاجهزة الأمنية، ورواتب الموظفين، فضلا عن التحدي الأكبر المتعلق بالفيتو الاسرائيلي-الامريكي، ضد انهاء الانقسام؟
عمليا، يبدو التحدي الأخير الأكثر تعقيدا بالنسبة لحماس، خصوصا أن الحلف الاستراتيجي (الاسرائيلي-الامريكي) ما زال يعول على الحصار وسياسة تجفيف المنابع في اسقاط الحركة، ويغذي الفجوة القائمة بين حماس-فتح، في الوقت الذي بدأ يدرك فيه الأوروبيون اهمية التعاطي مع حماس، وهذا ما يفسر شطبه اسم الحركة عن لائحة الارهاب.
واعتبرت حماس على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري، هذه الخطوة بأنها "تصحيح للخطيئة السياسية التي وقع فيها الاتحاد الأوربي"، معتبرا ذلك انتصارا للشعب الفلسطيني.
بيد أن مراقبين سياسيين ومنهم طلال عوكل، ذهبوا إلى ابعد من ذلك في تقدير الموقف الأوربي، على انه تفهم لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، الذي أغلق كل السبل امام التسوية السياسية.
وفي وقت قال فيه عوكل إن القرار الأوروبي الجديد يدل على أن أوروبا بدأت تطور منظومة أفكارها السياسية إزاء كيفية التعامل مع الشعب الفلسطيني وأنه سيرفع الفيتو عن المصالحة"، يتطلع المستشار السياسي السابق أحمد يوسف إلى بناء حماس على هذا القرار في الانفتاح على القوى الاقليمية وكذلك الغرب، مع ضرورة تقريب المواقف وتلطيف الأجواء، بين حليفتيها قطر وتركيا، مع النظام المصري.
ومع ذلك، شدد يوسف على ضرورة تطوير سلاح المقاومة وفعاليته، وبذل الجهد والتركيز على ما يشكل مفاجئات للعدو، والارتقاء بجهوزية فرق النخبة واستعداداتها القتالية في المواجهة المقبلة.
ويلتقي المراقبان على ضرورة أن تبدأ حماس بمراجعات سياسية تتجه أكثر نحو الوطنية الفلسطينية، مع الاشارة إلى أن عودة السلطة لبسط مظلتها على قطاع غزة يتطلب تنسيقاً سياسياً وأمنياً بين الحكومة وفصائل المقاومة.
أضف إلى ذلك، فإن المراقبيْن شددا على أهمية إصلاح العلاقة الأخوية والتاريخية مع جمهورية مصر العربية لعدة اعتبارات، من بينها الملف الأمني واهمية استقرار سيناء، وكذلك لدور الوساطة المصرية في ملف التفاوض مع (إسرائيل) حول مختلف القضايا.
وفي غمرة القراءة الواقعية لأفق المرحلة المقبلة، دعا القيادي في حركة فتح يحيى رباح، حماس إلى قراءة التحولات القائمة في المنطقة بوعي وإدراك، وأن يتطور اداء الحركة السياسي بناء على ذلك، مشددا على أهمية الانفتاح على مصر ايضا.
أكثر من هدف يمكن ان تعمل حماس على تحقيقه في المرحلة المقبلة، لكن الأكثر إلحاحا -وفق مراقبين-هو تقوية عزيمة المواطنين، ولاسيما المهدمة بيوتهم ومتضررو الحرب، وبالتالي رأوا ضرورة ألا تنفك حماس عن المناداة بضرورة اعادة اعمار غزة، حتى وان اضطرها الأمر للتلويح بالقوة ضد فيتو الاعمار، وقد حصل ذلك واقعا في التصريحات التي ادلى بها القيادي البارز في حماس خليل الحية لـ "الرسالة نت" قبل يومين، حيث حذر من تأخر الاعمار في حدوث انفجار، لم يفصح عن طبيعته.
فضلا عن أن الحية أكد جاهزية حركته لمناقشة تسليم إدارة معابر قطاع غزة كاملةً لحكومة التوافق، ضمن آلية محددة ومتفق عليها، غير أنه اشار إلى ضرورة حشد كل الطاقات لإنهاء الحصار المفروض، وفق اتفاق التهدئة الذي عقد أغسطس الماضي بالقاهرة.
إذن، حماس اليوم أمام طريق متعدد المحطات، ومليء بالعثرات، يبدأ بالإعمار مرورا بالشراكة السياسية الحقيقية وانهاء الانقسام، وصولا إلى الانفتاح الدولي وتحسين العلاقات بما يخدم القضية الفلسطينية ويعزز وجود المقاومة.