على الرغم من أن هذا لا يعجب قيادة سلطة رام الله ونظم الحكم العربية والنخب المرتبطة بها، إلا أن الصهاينة يعلنونها على رؤوس الأشهاد: الفشل في الحرب على غزة هو السبب الذي أفضى إلى سقوط الحكومة (الإسرائيلية)، وهو التحول الذي قد يؤدي إلى تغيير الحكم في (تل أبيب) إثر الانتخابات التي ستنظم في السابع عشر من مارس القادم.
لكن مما يفاقم بؤس أولئك الذين يناصبون المقاومة العداء هو ما الإقرار غير المسبوق الذي صدر عن قيادة الجيش الصهيوني بشأن تقييم إستراتيجية الردع التي حاولت (إسرائيل) اتباعها في مواجهة حركة حماس.
فحسب استنتاج توصلت إليه دراسة أعدها الجنرال يوسي بايدتس، قائد الكليات العسكرية في الجيش، بتكليف من هيئة أركان الجيش، فأنه في أعقاب ثلاث حروب، وعدد كبير من العمليات المحدودة، فقد تبين أن الأداء العسكري الإسرائيلي لم ينجح في ردع الحركة عن القيام بعمليات ضد (إسرائيل).
وقد جاء الاستنتاج الذي ولجت إليه الدراسة في أعقاب قيام الجنرال باديتس برصد مظاهر فشل إستراتيجية الردع.
ويعلق عاموس هارئيل، المعلق العسكري في صحيفة "هارتس" على نتائج الدراسة قائلاً إن الإرباك الإسرائيلي في أعقاب الحرب وصل لدرجة أن أحداً من قادة الجيش لم يعد قادراً على الزعم بأن (إسرائيل) قد حققت نصراً في هذه الحرب.
إن أكثر ما يوضح المأزق الذي علق فيه نتنياهو في أعقاب الحرب هي النكات التي تبادلها عدد من الصحافيين والمعلقين الإسرائيليين في تغريدات على "تويتر"، وكلها تسخر من عجز نتنياهو عن العودة لطرح شعاره السابق بأنه "قوي في مواجهة حماس"، بسبب تعاظم مظاهر الفشل في الحرب.
وقال المعلق بن كاسبيت إن العودة لطرح هذا الشعار ستكون "نكتة سمجة" بالنسبة لجميع الإسرائيليين، مشيراً إلى أن المستشارين الإعلاميين لنتنياهو لا يمكنهم أن يسمحوا له بالعودة لطرح هذا الشعار.
أما المعلق باراك رفيد، فقد قال إن فشل (إسرائيل) الذريع في الحرب الأخيرة على قطاع غزة وعجزها أمام حركة حماس يدفع نتنياهو لاستفزاز أوروبا لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بقيادته.
لكن لعنة الفشل لا تلاحق نتنياهو فحسب، بل تلاحق قادة جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، الذين تبين أنهم كانوا عاجزين عن توفير المعلومات الاستخبارية المهمة عن حماس خلال الحرب.
وقد تفجر خلاف بين "الشاباك" و"الموساد"، حيث أن الموساد بات يرى أن فشل "الشاباك" يحتم تجريده من بعض صلاحياته ونقلها لصالحه.
من المفارقة حقاً أنه في الوقت الذي يدور فيه هذا الجدل، فإن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً كبيرة على قيادة السلطة لثنيها عن التوجه للأمم المتحدة لاستصدار قرار يحدد موعداً لانهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، بحجة أن هذه الخطوة تعزز فرص اليمين الإسرائيلي بالفوز في الانتخابات القادم وتمس بفرص الوسط واليسار.
لكن أحزاب اليسار والوسط الصهيوني لم تمنح كيري الفرصة لتسويق أراجيفه. فقد تبين أن هذه الأحزاب تحرص تحديداً على "تطعيم" قوائمها الانتخابية تحديداً بالقيادات الصهيونية ذات السجل الأبشع في مجال الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
فعلى سبيل المثال يوشك رئيس حزب العمل إسحاك هيرتزغ على عقد اتفاق يتم بموجبه ضم وزير الحرب الأسبق شاؤول موفاز إلى قائمة الحزب الانتخابية، بحجة أن ضم موفاز قد يسهم في تمكين الحزب من الإطاحة بحكم نتنياهو.
ولا حاجة للتذكير بأن موفاز كان أكثر رؤساء إركان الجيش الإسرائيلي إجراماً ضد الشعب الفلسطيني، خاصة عندما تولى هذا المنصب في أوج انتفاضة الأقصى.
ففي تحقيق نشرته في 12 مايو 2011، نقلت صحيفة "هارتس" عن ضباط خدموا تحت إمرة موفاز قولهم إن التعليمات الصادرة عنه كانت تشدد على ضرورة ألا يقل عدد القتلى من الفلسطينيين يومياً عن 70 قتيلا.
وفي تحقيق مماثل في 7-8-2011، عرضت قناة التلفزة الأولى شهادة لضابط أكد فيه أنه كان شاهد عيان عندما وبخ موفاز قائد أحد الألوية في الجيش لأن عدد القتلى من الفلسطينيين في المنطقة التي كانت تتمركز فيها قواته كان قليلاً.
وإن كان هذا لا يكفي، فإن الجنرال عومر بارليف القائد السابق لوحدة "سييرت متكال" المسؤولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال خارج حدود فلسطين سيتنافس على قائمة حزب العمل، الذي يدعي تمثيل "معسكر السلام" الإسرائيلي.
وفي مقابلة أجرته معه إذاعة الجيش الإسرائيلي بتاريخ 13 حزيران الماضي تباهى بارليف بأنه شارك في عمليات أسفرت عن مقتل المئات من الفلسطينيين والعرب.
وقد حاول هيرتزوغ اقناع يوفال ديسكين الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، مع العلم أنه يعتبر مهندس سياسة التصفيات التي اعتمدت عليها (إسرائيل) في محاولاتها وأد انتفاضة الأقصى.
ومن المفارقة أن ديسكين انتقد خلال الحرب الأخيرة القيادتين العسكرية والسياسية في تل أبيب بحجة أنهما لم تستخدما قوة نار أكثر من أجل حسم المواجهة ضد حركة حماس!.
وقد هاجم أمنون أبراموفيتش، كبير المعلقين في قناة التلفزة الثانية سلوك قادة حزب العمل، معتبراً أن الحرص على ضم هذه الشخصيات على وجه الخصوص يأتي من أجل اقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن هذا الحزب "يضم أشخاصاً أثبتوا أنهم يجيدون قتل العرب".
قصارى القول، في الوقت الذي يقول الإسرائيليون لنتنياهو: "تحدث عن كل شئ، إلا عن انتصاراتك الوهمية في الحرب على غزة"، فإن كيري يحاول أن يبيع للسلطة بعض الوهم عبر استثارة الرهان على قوى اليسار والوسط، وهذا يدل على عمق الاستغفال وإن شئت "الاستلطاخ".