الرشاقة كانت حلمها بعدما تعدى وزنها المائة كيلو جرام وأصبحت تعاني الارهاق والتعب باستمرار، لم تجد كل الحميات الغذائية نفعاً الى أن قررت إجراء عملية جراحية لتصغير المعدة بعد أن نصحها الطبيب المختص بها وأكد لها ان نسبة نجاحها تتعدى 60%.
"أ، س"، "34 عاما"، أجرت العملية وهي تحلم بأن تبدأ حياة جديدة لكنها لم تكن تعلم ان هذه العملية ستنهي حياتها وتحرم أطفالها الاربعة من حنان والدتهم الى الابد.
بدأت معاناة أمل من الأيام الأولى للعملية، فقد ظهرت عليها أعراض سيئة وكان طبيبها يخبرها بأنها تعاني من مجرد التهابات لا أكثر، وان الجسم في مرحلة تقبل المواد المستخدمة في العملية، لكن المريضة فقدت حياتها ما شكل صدمة للعائلة دفعتهم للمطالبة بفتح تحقيق وهذا ما جرى بالفعل، لكن النتائج لم تفصح عن شيء، الا ان الطبيب أخبرهم بعد وفاتها بان نسب النجاح منخفضة.
المادة الثانية من قانون الصحة الفلسطيني رقم (20) سنة 2004م، تؤكد على تولي وزارة الصحة الرقابة والإشراف والمتابعة للوضع الصحي للسكان في فلسطين، ويتضمن مساءلة الأطباء عن الأخطاء الطبية وفقا "لمسؤولية التابع عن أعمال المتبوع".
الطبيب توقف عن اجراء هذا النوع من العمليات فيما لم يتسن لذوي المتوفاة الوقوف على
أسباب الوفاة.
قصة أمل لم تختلف عن حالات مشابهة خسرت حياتها دون أن يحاسب المسئول عن ذلك نتيجة عدم وجود قانون المسئولية الطبية والذي يمتنع المجلس التشريعي عن اقراره حتى الآن نظراً للتداعيات الكبيرة التي ستنتج عنه.
الرسالة نت وقفت على عمليات تصغير المعدة التي بدأت تلقي رواجاً في قطاع غزة نظراً للنتائج التي تحققها في تخفيض الوزن لمرضى السمنة المفرطة وهذا ما يدفع الكثيرين للإقبال عليها دون الالتفات الى مخاطرها الكبيرة والتي قد تودي بحياة المريض دون محاسبة قانونية.
غياب المسألة
ليس بعيداً عن أمل لاقت هدى "ع" في العشرينات من عمرها ذات المصير بعدما أجرت عملية تدبيس معدة، أملاً في أن تحافظ على صحتها بعيداً عن الامراض المزمنة التي كانت تهددها بسبب السمنة المفرطة، فقررت اجراء العملية بعدما راجعت الطبيب وأكد لها ان العملية آمنة.
قانون المسئولية الطبية يشكل حماية للطبيب والمريض ويوفر للمريض حق التعويض اذا ما خسر حياته او أعضاءه نتيجة الخلل أو الإهمال، وتطبيقه يحتاج أن تضاعف الوزارة ميزانيتها.
بعد أيام من اجراء هدى العملية بدأت تشعر بألم شديد، ذهبت على إثره للطبيب الذي نقلها إلى مستشفى الشفاء على وجه السرعة وأدخلها قسم العناية المركزة، وبقيت هناك عدة أيام دون أن تتضح طبيعة المشكلة.
لم يدم انتظار العائلة طويلا وطلبت تحويلها إلى مستشفيات الداخل المحتل وهناك فقدت هدى حياتها بسبب حدوث تسرب من المعدة أدى إلى تسمم الجسم بالكامل.
عائلة هدى حملت الطبيب مباشرة المسئولية عن وفاتها لكنه أنكر واعتبر أن سبب الوفاة نقلها إلى (إسرائيل)، وأن حالتها كانت مستقرة بعد العملية.
الكثير من الحالات التي أجرت هذا النوع من العمليات تعرضت لمضاعفات خطيرة وبعضها وصل الوفاة؛ لكن الرسالة لم تتمكن من احصاء عدد المتوفين نظراً لعدم وجود احصائيات لدى وزارة الصحة فضلاً عن ان بعضها يجري في المستشفيات الخاصة، إلى جانب امتناع عدد من ذوي الضحايا عن تقديم الشكاوى.
عائلة هدى لم تقدم شكوى ضد الطبيب لأنها مقتنعة أن مبدأ المحاسبة غائب عن القطاع الصحي في الاراضي الفلسطينية، وهذا ما يؤكده تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان والتي اوردت في تقريرها السنوي أن وزارة الصحة من أبرز الجهات الحكومية التي يقدم شكاوى ضدها.
وذكرت الهيئة في تقريرها السنوي للعام 2013 أنها تلقت 126 شكوى ضد الصحة منها 26 حول الوفاة نتيجة الاهمال الطبي.
وانتقدت الهيئة في تقريرها تعامل وزارة الصحة مع الشكاوى وعدم ردها على عدد كبير منها ورفضها تحميل المسئولية لأي من الأطباء أو الطواقم العاملة فيها مسؤولية الخلل او الاهمال.
الانتقادات الموجهة للصحة حول تهربها من المسئولية دفعنا للبحث عن القوانين التي تنظم طريقة التعامل مع هذا النوع من الشكاوى.
المادة الثانية من قانون الصحة الفلسطيني رقم (20) سنة 2004م، تؤكد على تولي وزارة الصحة الرقابة والإشراف والمتابعة للوضع الصحي للسكان في فلسطين، ويتضمن مساءلة الأطباء عن الأخطاء الطبية وفقا "لمسؤولية التابع عن أعمال المتبوع.
وفي الإطار ذاته ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (3) لسنة 2001م، في المادة 56 وجوب متابعة النيابة العامة الجرائم والتحقيق فيها ومتابعة الوفيات التي تحدث في ظروف غامضة، والتي يحتمل أن تكون الوفاة أو الإصابة حدثت عن قصد أو نتيجة إهمال يحاسب عليه القانون.
مخاطر كبيرة
هذه الجملة من القوانين لم تسهم في الحد من وقوع الأخطاء الطبية، فضلاً عن استنتاجنا أن الطبيب المقصر نادراً ما يتحمل مسؤولية الأخطاء وما يثبت ذلك أن معظم التحقيقات التي فتحت لم تدن الطبيب.
إلى حد كبير تحاول وزارة الصحة كما يقول د. ماجد حمادة مدير دائرة الاجازة والتراخيص في الوزارة الصحة ممارسة دور الرقابة والاشراف على جميع المراكز والعيادات بحيث تعطي مزاولة المهنة للطبيب ورخصة للمكان والخدمات التي سيقدمها وذلك بحسب المواصفات العالمية التي تتلاءم مع المبنى وتجهيزاته والمعدات.
وبحسب حمادة فإن هذا النوع من العمليات لا يجري الا في مستشفيات تتمتع بالإمكانات اللازمة لان العملية تعتبر متخصصة وبحاجة لأدوات وتقنيات عالية، فضلاً عن أن عدد الأطباء الذين يجرونها محدود جداً.
نسبة خطورة العملية 5%، ومن المتوقع ان يحدث لدى كثير من الحالات تسريب، وهذا يعتمد على التعامل معه بالطريقة الصحيحة والوقت المناسب حتى لا تخرج الحالة عن السيطرة، وبالتالي يمكن ان تسبب الوفاة لبعض الاشخاص، الى جانب وجود نسبة من 1% الى 3% لإمكانية حدوث جلطة في الساق أو جلطة رئوية.
من جانبه أكد الدكتور ناصر ابو شعبان متخصص في جراحة المناظير، وأول من أجرى عمليات ربط المعدة بالمنظار، أن السمنة المفرطة لا يتم علاجها بالتدخل الجراحي إلا بعد التأكد من أن أنظمة الحمية الغذائية ما عادت تجدي مع المرض وفي حال تعدت الكتلة الدهنية في جسم المريض 40، وان يكون الجسم مصابا ببوادر السكر والضغط أو بعض الأمراض الأخرى.
وتنقسم عملية ربط المعدة إلى ثلاثة أنواع، الأول عملية ربط المعدة والثاني عملية تدبيس المعدة والثالث عملية طي المعدة.
ويؤكد أبو شعبان أن عملية ربط المعدة هي جراحة طبية لعلاج السمنة، وتمهيد لعلاج أمراض أخرى من ضغط وسكري، وليست جراحة تجميلية كما يظن البعض، مضيفاً: "هناك الكثير من المرضى الذي يراجعونني بهدف ربط المعدة، لكني ارفض طلباتهم بسبب عدم انطباق الشروط عليهم.
مع انتشار جراحة المناظير بدأت عمليات البدانة المفرطة تزداد؛ لان اجراء العملية بالمنظار يقلل من المضاعفات والمخاطر المتوقعة لها، كما يؤكد أبو شعبان، لافتاً أن الشخص الذي يعاني من البدانة المفرطة معرض لدرجة خطورة اعلى من غيره من المرضى.
مضاعفات خارج السيطرة
معاناتها المستمرة من الفتق دفعتها للجوء للطبيب الذي نصحها بإجراء عملية طي معدة كي تتجنب الكثير من الامراض ومنها الفتق، فأقبلت سمر "ح" 48 عاماً على اجراء العملية خاصة انها تعاني من سمنة مفرطة حيث وصل وزنها 140 كيلو جرام.
اجراء عمليتي طي المعدة والفتق في وقت واحد شجعها، ورغم الالم والمعاناة التي تتبع العملية خاصة مع النظام الغذائي الصارم الا ان خسارة قرابة 50 كيلو من وزنها انساها كل العذاب.
لكن بعد قرابة ستة أشهر من اجراء العملية بدأت سمر تعاني من مغص شديد وآلام متكررة في البطن وأجرت عدة فحوصات ولم تتوصل حتى الان إلى سبب الالم ما يثير مخاوفها من انتكاسة قد تسبب لها مشاكل صحية.
ورغم وجود حالات أجرت هذه العملية ونجحت الا ان نسبة الخطورة تبقى مرتفعة بحسب د. حمادة الذي أوضح أن مضاعفات عملية طي المعدة قرابة 3% عالميا، بينما نسبة الخطورة في عمليات القص والتدبيس تصل الى 5% وهي نسبة ليست مرتفعة لكنها خطرة ايضاً، لان ابرز مضاعفاتها هو التسريب الذي يجب التعامل معه والتدخل في الوقت المناسب والا قد يؤدي الى تسمم جسم الانسان ووفاته.
ويرى ان هذا النوع من العمليات لم ينتشر بالشكل الكبير وما تزال في مهدها؛ ولهذا فان عدد الشكاوى فيها يكون قليل لكن مع زيادة الاقبال عليها قد تزداد المضاعفات؛ وبالتالي تبدأ الشكاوى بالظهور.
ولفت إلى انه في حالة الاخطاء الطبية او الاهمال الطبي فان القانون يحاسب عليها ويتم رفع شكوى لتعرض على المختصين من أجل إبداء الراي العلمي الصحيح، ويجري التحقيق في الحادث ويتم اتخاذ اجراءات قانونية بحق الطبيب والتي قد تصل الى حد سحب رخصة مزاولة المهنة منه.
لكنه قال إنه حتى الآن لا يوجد أطباء أوقفوا عن العمل أو سحبت منهم مزاولة المهنة بسبب اخطاء طبية او اهمال؛ لكن هناك البعض يوقف الى حين انتهاء التحقيق".
وحول المضاعفات الصحية التي قد تحدث بعد إجراء العملية يرى أبو شعبان أن أي جراحة يمكن أن ينتج عنها مضاعفات جانبية وهذه أمور محتملة في الطب، لافتاً الى وجود بعض المضاعفات التي تحتاج الى متابعة مستمرة حتى لا تخرج عن السيطرة.
وقال " المس إقبالا على هذه العمليات وأجرى شهرياً قرابة ثلاثة عمليات ومن المتوقع ان يزيد الاقبال عليها في المستقبل لكن تدريجياً".
نسبة خطورة هذه العملية 5% والتي من المتوقع ان يحدث فيها تسريب وهذا يعتمد على التعامل معه بالطريقة الصحيحة والوقت المناسب حتى لا تخرج عن السيطرة وبالتالي يمكن ان تسبب الوفاة لبعض الاشخاص، الى جانب وجود نسبة من 1% الى 3% لإمكانية حدوث جلطة في الساق او جلطة رئوية، بحسب أبو شعبان.
ونفى وفاة اي مريض ممن اجريت لهم العملية لكنه لفت الى وجود حالات تسريب وجرى السيطرة عليها.
القانون يحتاج موازنة
الشاب يحيى منصور، 25 عاماً، أقدم على إجراء العملية بعد وصول وزنه إلى 170 كيلو جرام والتزم بجميع التعليمات الطبية اللازمة لكن ما حدث بعد العملية بأيام حول حياته إلى جحيم ومعاناة لا يمكن مسحها من الذاكرة.
يقول يحيى "جسمي لم يتقبل الحلقة المعدنية التي تحركت من مكانها واحدثت التهابات شديدة اضطررت بعدها إلى دخول غرفة العمليات مجدداً لإجراء عملية "تدبيس المعدة" وفيها يتم استئصال قرابة 85% من المعدة.
اضطر يحيى للبقاء ثلاثة شهور في المستشفى مع معدة مفتوحة ومنع من تناول أي نوع من الطعام والشراب، وأبلغه الطبيب انه سيجري له عملية اخرى بعد ستة اشهر اذا لم تغلق الفتحات والثقوب الموجودة في المعدة ولكنها اغلقت بعد هذه المدة.
لكن يحيى خضع لعملية أخرى جرى خلالها تدبيس المعدة ويعيش الآن بمعدة صغيرة جداً ورغم أنه يتمتع بوزن صحي حالياً لكن يتألم كلما استذكر العذاب الذي لازمه لشهور نتيجة عملية كادت تودي بحياته.
قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في قطاع غزة رقم (74) لسنة 1936م وقانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960م المطبق في الضفة الغربية، يتضمنان بعضا من النصوص القانونية التي تضمن فرض العقوبة على مرتكبي جرائم الأخطاء الطبية، والإهمال الطبي المقصود يندرج تحت بنود الإهمال، التفريط والتقصير وعدم الانتباه، وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين المنصوص عليها.
الرسالة لجأت الى المنظمات الحقوقية للاضطلاع أكثر على المسئولية القانونية للطبيب في بعض الحالات التي يعاني فيها المرضى نتيجة الخلل او الاهمال.
سامر موسى، محامي مؤسسة الضمير لحقوق الانسان، أكد أن المحاسبة القانونية للأطباء احد المواضيع الشائكة خاصة ان الفهم القانوني لطبيعة التزام الطبيب اتجاه المريض هو التزام بأداء عمل وليس بنتيجة، وبالتالي فان زيادة عدد القوانين التي تنظم هذه المسألة قد تؤدي لتقييد الطبيب.
لكنه بين أن قانون مسؤولية الطبيب الذي لم يقر حتى الان اعطى نوعا من الرقابة على عمل الطبيب وتشكيل لجان تحقيق في كل شكوى مقدمة والزام الطبيب بتعويض المريض في حال اثبت التحقيق انه المسؤول عن الخلل او الاهمال الذي أدى لخسارة المريض حياته او احد اعضائه.
وطالب بضرورة دخول القانون حيز التنفيذ لأنه يعطي حماية للمريض وينظم طبيعة العمل بين الطبيب والمريض.
القصور القانوني وعدم اقرار قانون المسئولية الطبية حتى الآن يضع المجلس التشريعي امام مسئولية كبيرة في حماية المرضى.
أمين عام المجلس التشريعي د. نافذ المدهون قال للرسالة "اعتماد قانون المسئولية الطبية يحتاج أن يكون مستوى الوضع الصحي في قطاع غزة عالياً بدرجة كبيرة جدًا كما انه بحاجة لأن تكون وزارة الصحة قادرة على توفير الظروف المثالية وهو أمر مستحيل في الوقت الحالي".
وبين ان القانون يشكل حماية لكل من الطبيب والمريض وانه يوفر للمريض حق التعويض اذا ما خسر حياته او أعضاءه نتيجة الخلل او الاهمال، كما يسمح لكثير من المحامين بالمطالبة بتعويضات وفي حال تطبيقه يجب أن تقوم الوزارة بزيادة ميزانيتها في العام الأول فقط عشرة أضعاف ميزانيتها الحالية والتي ينالها العجز الآن، وفي أعوام تالية زيادتها بشكل أكبر.
وأشار المدهون إلى أنه حتى إيجاد الصورة الملائمة لإقرار القانون فإن المجلس التشريعي ووزارة الصحة يتابعان ما يحدث وما يقدم من شكاوى ويجري التعويض والمساءلة والمحاسبة وفق ما يناسب الوضع الحاصل.
وشدد على أن عدم اقرار القانون حتى الان يعتبر مدخلا للكثير من الاطباء للتهرب من المسؤولية عن الاهمال والذي قد يودي بحياة المرضى.
حدوث الأخطاء الطبية أمر وارد في كل أنحاء العالم خاصة في هذا النوع من العمليات التي تعتبر من العمليات الخطرة والمتخصصة؛ لكن غياب القانون وعدم تطبيق البنود المنصوص عليها والامتناع عن اقرار قانون المسئولية الطبية يفتح المجال واسعاً امام الأطباء للتهرب من مسئوليتهم والتلاعب بحياة المرضى دون مساءلة او محاسبة.