أثارت حادثة الطفل المعلّق من قدمه على بوابة ملعب المدينة الرياضية شرق خانيونس جنوب القطاع، خلال مباراة اتحاد خانيونس وخدمات النصيرات في دوري الدرجة الممتازة، حفيظة الرأي العام الفلسطيني.
هذا العقاب الذي نفذّه أحد حراس البوابة، هو جزء من لعبة "القط والفأر" بين المتضمنين والجمهور في ملاعب القطاع، والذي لا يقوى بعضه على دفع ثمن التذكرة (2 شيكل), نظرًا للحالة المادية المتردية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
وفتحت هذه الواقعة الباب أمام موقع "الرسالة نت" للبحث عن حقوق بائعي التذاكر في المباريات بما يضمن دخول الجماهير بصورة شرعية، بالإضافة لدور الجهات المعنية في إنجاح سير اللقاءات.
ضرب مبرح
الحادثة التي انفرد "الرسالة نت" بنشرها، دفعت الطفل ووالده وبرفقتهما متضمن المباراة للحضور إلى مقر المؤسسة في شارع النصر بغزة.
والمتضمن هو الشخص الذي يملك الحق في بيع تذاكر المباراة، كونه يشتريها عبر مناقصاتٍ يتم طرحها شهريًا في كل محافظة، علمًا أنه المسؤول أيضًا عن جلب الحراس لبوابات الملاعب، من أجل تنظيم عملية دخول المتفرجين.
الطفل بدا عليه الخوف في بداية حديثه، لكن سرعان ما زالت رهبته بعدما ناوله كاتب التقرير رشفة ماء، لتكون الحقيقة الصارخة على لسانه عندما قال: "رحت على المباراة مشي أنا وصحابي، الحراس دخّلوهم لأنو معهم تذاكر، أما أنا فحاولت أدخل، لكنهم مسكوني".
ويضيف بنبرة خافتة: "ضربوني بقوة، وعلّقوا رجلي على الباب (...)، بكيت كتير من الوجع".
قاطعناه بالسؤال: هل سبق أن تعرضت لهذا الموقف من قبل؟، فكانت الإجابة أنه دائمًا يحضر المباريات في الملاعب، ولم يحدث أن اعتدى عليه أحد بهذا الشكل.
وكشف الطفل (س.ب) عن أسماء المعتدين عليه، لكننا نتحفظ على ذكر أسمائهم من أجل المصلحة العامة.
مزحة!
أما متضمن المباراة التي جرت فيها الحادثة، والذي رفض الكشف عن اسمه، فأكد أن الواقعة ليست سوى مزحة نفذّها أبناء عم الطفل, وتعمدّوا أن يصورهم أحد الأشخاص, موضحًا أنهم نشروا الصورة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" من باب "السخرية".
وأوضح المتضمن أنه اشترى المباراة في المزاد مقابل 2800 شيكل، ومن حقه أن يمنع الذين لا يحصلون على تذكرة من دخول الملعب، إلا أنه في الوقت نفسه اعترف بالخطأ الذي ارتكبه أقرباء الطفل، حتى وإن كان مزاحًا، على حد قوله.
ولفت إلى أنه شخص عاطل عن العمل، ولا يملك سوى بيع تذاكر المباريات التي يشتريها من المزادات للصرف على عائلته، آملًا أن ينتهي الموسم الكروي دون حدوث أي مكروه لأحد.
تقسيم ريع اللقاءات
من جهته، بيّن حمدي تنيرة عضو لجنة المسابقات في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم, والذي يراقب مزادات المباريات في محافظة خانيونس جنوب القطاع، أنه يتم تقسيم ريع بيع اللقاءات بواقع 40% للنادي صاحب المباراة، و20% لاتحاد الكرة، ومثلها للبلدية والشرطة على حد سواء.
وذكر تنيرة أن النادي صاحب المباراة يفتتح المزاد بسعر معين، وفي حال دفع أحد الأشخاص سعرًا أعلى فإنه يكون قد اشترى اللقاء، ويملك الحق في بيع تذاكره، أما في حال العكس، فإن النادي يتكفل بالمباراة بما يتضمن تواجد الحراس على البوابات لتنظيم دخول الجماهير.
وذكر أن الأشخاص الذين يحصلون على حقوق بيع تذاكر المباريات، باتوا معروفين للبلدية والاتحاد، وما يهمّ الطرفان بيعها للمتضمنين، لأنه لم يسبق أن حدثت مشكلة سابقة بينهم.
تصرفات المشجعين
أحد الجماهير المتواجدة في مدرجات ملعب اليرموك وسط مدينة غزة، أكد أنه يأتي دومًا للمباريات من جهة المدرجات الشرقية المهدمة ويقفز من فوق الحائط ليدخل الملعب بصورة طبيعية, قائلًا: "أنا شخص مولع بمشاهدة الكرة، لكني لا أقدر على دفع ثمن التذكرة في كل مباراة، لهذا ألجأ لتلك الطريقة".
عبد الله أبو سرية- متابع آخر- قال: "باستثناء إن كان هناك تذاكر أو ما شابه فهذا يبقى من حق المتضمن (...)، هو شخص يبحث عن الرزق ويجب علينا أن نكون معه في مسألة الدخول الشرعي لحضور اللقاء، وليس التسلل بصورة مخالفة".
من جهته, تحدث محمد عامر- أحد مشجعي فريق الصداقة-: "ألاحظ اكتظاظًا كبيرًا على بوابات الملاعب في كل مباراة، ولا يوجد أي نظام في عملية الدخول، يجب أن نكون شعبا حضاريا أكثر من ذلك (...)، والذي لا يملك ثمن التذكرة؛ يجلس في بيته، حتى يتيح الفرصة لغيره من أجل مشاهدة اللقاء".
حراس في مدرسة!
وفي رواية أخرى، قال متضمن رفض الكشف عن اسمه، إنه اضطر لوضع حراس في المدرسة المجاورة لأحد ملاعب غزة، كونه لاحظ الكثير من الأشخاص يقفزون للملعب عبر السور الواصل بينهما (المدرسة والملعب).
وفي إحصائية أجرتها إذاعة أمواج الرياضية لمنافسات هذا الموسم، تبيّن أن متوسط حضور الجماهير في كل مباراة، حوالي 800 شخص.
وأضاف المتضمن: "صحيح أني اكتشفت الأمر متأخرًا بعد نجاح العشرات في التسلل، لكني تمكنت أمسكت بعضهم وأجبرتهم على دفع ثمن التذكرة"، مشيرًا إلى أن ما يهمّه من المباراة أن يجني الثمن الذي دفعه في مزاد بيع التذاكر.
وذكر أنه يشتري أحيانًا أكثر من مباراة في الشهر، آملًا أن يتحلى الجمهور بالأخلاق الرياضية، والدخول بأسلوب حضاري لحضور اللقاءات.
حفظ النظام
تصرفات المشجعين وردود فعل المتضمنين، دفعتنا للحديث مع الشرطة حول دورها في الوقوف بجانب صاحب التذاكر لإدخال المتفرجين بصورة شرعية.
المقدم أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، قال إن واجبهم حفظ النظام والتدخل السريع في حال حدوث أي إشكالية في الملاعب، لافتًا إلى أن عناصرهم مستعدون لمنع الأشخاص الذين يحاولون تعطيل مجريات المباريات، والدخول بطريقة غير قانونية.
وأضاف البطنيجي: "نضطر أحيانًا للاستعانة بقوات من خارج المحافظة أثناء المباريات الجماهيرية الكبيرة"، مؤكدًا أنهم يساعدون أيضا الطواقم الطبية في عملها داخل "المستطيل الأخضر"، على غرار حفظ الأمن والنظام.
وفيما يتعلق بعدم تواجدهم خارج أسوار الملعب لتنظيم دخول المشجعين، أكد أنهم جاهزون لهذا الأمر في حال استعان المتضمن بالشرطة.
وبعد تكرار المشهد في كل مباراة بالدوري على مدار السنوات الأخيرة، بات على المسؤولين كل حسب واجبه، التحرك لتنظيم دخول الجماهير للملاعب بأسلوب حضاري، من أجل ضمان سير المنافسات بالشكل السليم.