رامي خريس
"ولعت .. ولعت بكرة اليهود حيضربونا .. هيك بتقول المنشورات اللي رموها على الحدود الشرقية انه غداً سيكون الرد " .
هكذا بدأ المواطنون يتناقلون في غزة الخبر ، والتقطته بعض وسائل الإعلام التي قالت ان شهود عيان قالوا لها أن طائرات إسرائيلية ألقت منشورات في المناطق الشرقية من القطاع وبالتحديد في مناطق جحر الديك والوسطى وخان يونس ، حملت رسومات لطفل ووردة وفي نصها أن الرد سيكون يوم غد.
وهكذا سرى الخبر كما تسري النار في الهشيم ، وبدأ المواطنون في الاستعداد لحرب قادمة فصيغ المنشورات لا تحمل سوى تفسيراً واحداً أن ضربة قوية ستوجهها (إسرائيل) لقطاع غزة.
وما هي إلا ساعات وتبين أن كل ما قيل كان ملفقاً ، ولم يكن سوى إشاعة ، وخرج المتحدث باسم وزارة الداخلية المهندس إيهاب الغصين ليقول :" ان التحريات تؤكد أنه لم يتم إلقاء أي منشورات على الحدود الشرقية ولا في غيرها".
ومع ذلك فإن الخبر استمر في الانتشار ، فمن سمع بالمنشورات لم تصله أقوال الغصين أو تصريحات النفي ، وقد يكون هناك الكثير من المواطنين يعتقدون حتى هذه اللحظة بصحة خبر المنشورات ولا يزالون ينتظرون "يوم غد" الذي سترد فيه (إسرائيل).
ويتكرر هذا النموذج بأشكال متعددة ، فتارة تتجه الإشاعة للحديث عن العلاقة بالاحتلال عن اجتياح أو ضربة جوية أو حتى في اتجاه الحديث عن إطلاق صواريخ المقاومة أو التهدئة .
وفي اتجاه آخر تكثر الأخبار التي يتناقلها المواطنون حول إجراءات الحكومة الفلسطينية في غزة ، وبعضها يكون صحيحاً والكم الأكبر ليس له أساس من الصحة ، ومع نفي الجهات المختصة أحياناً إلا أن الإشاعة تنتشر انتشاراً هائلاً وقد تصبح حقيقة راسخة عند البعض.
سيل متدفق
ويرى مختصون أن السيل المتدفق من الإشاعات والأخبار الكاذبة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها تسير ضمن مخطط له أهداف معينة ، مشيرين إلا أن حملة الإشاعات بدأت منذ زمن طويل ، وتهدف إلى تقويض الاستقرار في قطاع غزة ، وذلك عبر بث معلومات تؤدي إلى إحباط المواطنين الفلسطينيين ودفعهم للشعور بغياب الأمن والعدالة كذلك .
وبحسب المختصين فإن مطلقي الإشاعات يستغلون أحياناً بعض الأحداث الحقيقية ليبثوا حولها القصص الكاذبة وأحياناً يوظفون معلومات صحيحة ويقومون بتغيير بعض جوانبها فتحرف عن سياقها الطبيعي.
كما أن إحدى الوسائل الناجحة لبث الإشاعات يكمن في تضخيم الأحداث وتكبيرها بشكل يفوق حجمها الطبيعي .
حملة فتحاوية
مروجو الإشاعات في السابق كانوا من عملاء الاحتلال الإسرائيلي الذين كان يجري تجنيدهم بعد إسقاطهم بوسائل مختلفة وكان هدف بث الإشاعات إضعاف قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة ، ولكن ما كشفت عنه مؤخراً الأجهزة الأمنية في غزة فإن هناك حملة منظمة أعدتها حركة فتح لبث الإشاعات والأخبار الكاذبة في قطاع غزة ، وذلك بعد يأسها من جدوى أساليب التخريب التي تتم عبر الخلايا المسلحة.
وتهدف حملتهم لتشويه صورة الحكومة في غزة بل ومحاولة تلويث سمعة حركة حماس ، وأدواتهم لا تقتصر على نقل الأخبار الكاذبة لوسائل إعلام "فتح" ومواقع الحركة على الانترنت ، بل إن جيشاً من الموظفين والعسكريين المستنكفين يعملون في خدمة هذه الحملة ، وقد كشفت أجهزة الأمن في غزة بعض خلاياهم .
ونشاطهم يتخذ أساليب مختلفة فتارة يتجولون لبث بعض القصص الملفقة أثناء تنقلهم في سيارات الأجرة ، ويستغلون أي مناسبة اجتماعية لترويج بعض المعلومات المفبركة .
ومن الملاحظ أن بعضاً من الإشاعات قد أخذت طريقها للانتشار بين الموطنين بخلاف فترات سابقة ، وهو ما يشير إلى أن هناك بيئة خصبة لاسيما في ظل حالة القلق التي تنتاب المواطنين أحياناً بفعل التهديدات الإسرائيلية أو بسبب استمرار الحصار وسوء الأحوال المعيشية لبعض فئات المواطنين فضلاً عن استغلال الأخطاء التي قد تصدر عن جهات حكومية أو رسمية فيجري تضخيمها بشكل كبير جداً وترويجها كأنها خطيئة لا يجوز الوقوع فيها.
من الواضح أن الأيام القليلة الماضية شهدت هجوماً كبيراً من مروجي الإشاعات وسيلاً أكبر من الأخبار الكاذبة وهو ما يتطلب إعداد حملة منظمة للتصدي لها وتحصين المجتمع بشكل لا يستجيب للاختراقات التي تستهدف إضعافه وتقويضه.