قالت صحيفة يديعوت أحرنوت (الاسرائيلية) اليوم، إن السلطة الفلسطينية هددت بذهابها ضد (إسرائيل) في الساحة الدولية، "ولكن، وحسب الوقائع على الأرض، فإن اتخاذ هكذا خطوة يأتي متعارضاً مع ما يتطلبه أمر الذهاب الدولي".
وبحسب يديعوت وفي تحليل معمق، فإنه "وبحسب المناورات الفلسطينية وأهميتها، فقد تكشف لنا أن الالتحاق الفلسطيني في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ربما لن يمهد الطريق إلى إجراء أي تحقيق بحق جنود وضباط الجيش (الإسرائيلي) في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم إبان عملية الجرف الصامد في غزة الصيف الماضي.
وتتابع الصحيفة:"بالعكس فإنه في الواقع قد يحرم الفلسطينيين من فرصة طلب التحقيق في سلوك الجيش (الإسرائيلي) خلال حرب غزة وغيرها من العمليات"
وأوضحت الصحيفة على موقعه الإليكتروني، أن معاهدة روما الأساسية ينص وحسب المادة 11.2 "على عدم سريان التنفيذ للأعضاء الجدد إلا بعد مرور 60 يوماً من انضمامها، وفي حالة السلطة، فإن التاريخ هو الأول من إبريل لعام 2015.
بمعنى آخر، فإنه يؤذن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق حسب طلب السلطة الفلسطينية، في الأحداث التي تكون بعد الأول من إبريل وصاعدا فقط.
مقامرة فلسطينية
وتستغرب الصحيفة من عدم استفادة الفلسطينيين من المادة 12.3 من معاهدة روما الأساسية في المحكمة الجنائية الدولية، كي يتم التحقيق ضد (إسرائيل) بأثر رجعي.
فبحسب الدكتورة سيجال هوروفيتز، المستشارة القانونية السابقة في مجازر سيراليون ورواندا، والباحثة في كل من الجامعة العبرية وجامعة حيفا، فإن المادة 12.3 تنص: "أن البلدان التي ليست أعضاء في المعاهدة يمكنها تقديم طلب اختصاص للمحكمة للتحقيق في حدث معين، دون الحصول على العضوية الكاملة".
بمعنى آخر، كان يمكن للسلطة أن تحاكم (إسرائيل) دون أن توقع نفسها في معضلة "الأول من إبريل".
ووفقا هوروفيتز، فإن السلطة الفلسطينية كانت تتمتع بكافة مزايا العضوية الكاملة، من دون التخلي عن "قدرة المحكمة على التحقيق بأثر رجعي فيما يتعلق باثنين من عمليات الجيش الاسرائيلي.
ووصفت هوروفيتز الخطوة الفلسطينية بالمقامرة، كون أن "هناك فرصة جيدة للمدعي العام في لاهاي أن يرفض العمل، كون أن السلطة أوقعت نفسها في البند 12.3 من معاهدة روما الأساسية، والتي أصبحت هي نفسها جزءً منه".
سوابق ضعيفة
ودعمت يديعوت رأي هوروفيتز حينما وصفتها بالمقامرة كونه وبالنظر الدقيق لسير عمل النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فإنها لا تأخذ قراراً ببدء التحقيق بين عشية وضحاها، ويمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً للغاية، وربما أشهر أو حتى سنوات.
واستشهدت يديعوت من موقع المحكمة الجنائية الدولية الالكتروني، عن كيفية سير عملها في ثمانية دو هي أفغانستان وكولومبيا وجورجيا وغينيا وهندوراس والعراق ونيجيريا وأوكرانيا، ففي حالة أوكرانيا، على سبيل المثال، أعلنت حكومة كييف في أبريل 2014 أنها تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة من قبل حكومة الرئيس المخلوع والموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، ولقد مرت ثمانية أشهر منذ تحول أوكرانيا إلى لاهاي، ولم تبدأ بعد إجراء تحقيق رسمي.
وتابعت يديعوت أن حالة جورجيا أيضا لا تبشر بالخير للفلسطينيين، ففي 14 أغسطس 2008، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية بداية تحقيق أولي بناء على طلب من جورجيا -بعد أسبوع من مهاجمة روسيا للقوات الجورجية في إقليم اوسيتيا الجنوبي الانفصالي- ولقد مرت سبعة أعوام منذ ذلك الحين، والتحقيق الرسمي ما زال تلوح في الأفق.
وتنفست الصحيفة (الاسرائيلية) الصعداء حينما كتبت: "يبدو إذن أن الفلسطينيين لن تكونوا قادرين على تنفيذ تحقيق من المحكمة الجنائية الدولية في كل الأحداث السابقة قبل انضمامها الى المعاهدة الأساسية وذلك يشمل عمليات: "الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب، و"عودة الاخوة"، و"الجرف الصامد"
لكن الصحفية سألت الخبيرة القانونية هوروفيتز:" إن كان فعلاً هذا هو الحال، فلماذا سارع عباس في اتخاذ هذه الخطوة بدلاً من انتظار قرار النيابة بشأن التحقيق بأثر رجعي"؟ فأجابت هوروفيتز :"ربما يود عباس أن يخيف الجميع، أو من أجل أن يكسب رمزية أو ربما خوفاُ من الضرر قد يصيب الفلسطينيين أكثر بكثير من (إسرائيل)، كونه أن الصواريخ الفلسطينية أطلقت على تجمعات مدنية في (إسرائيل)" حسب هوروفيتز.
من جانبه قال مراسل الشؤون الفلسطينية في يديعوت احرونوت إليور ليفي إنه على الرغم من انضمام الفلسطينيين إلى لاهاي والتصريحات الرنانة من قبل عباس والمسؤولين في السلطة الفلسطينية والتي تتهم (إسرائيل) بارتكاب جرائم حرب، فإن السلطة، وبمجرد أن تصبح عضواً كاملاً في معاهدة روما الأساسية، فإنها لا تستطيع نظراً لشروط الاتفاقية- توجيه أي اتهامات ضد (إسرائيل) لأحداث سبقت تاريخ الأول من إبريل عام 2015.
وتابع ليفي: "في ظل هذا التناقض، ما هو مهم لعباس هو أن يُنظر إليه انه لا يرضخ للضغوط، ومسرحية كهذه مهمة للزعماء الفلسطينيين كونها تعزز التأييد الشعبي لهم.
خيارات (إسرائيل)
وختمت الصحيفة التحليل المعمق بتساؤل: ما الذي يمكن أن تفعله (إسرائيل) لضمان أنه لن يتم التحقيق معها في لاهاي؟ فحتى لو كان الانضمام الفلسطيني لا يؤدي إلى تحقيق بأثر رجعي، فإن هذا سيسبب صداعاً (لإسرائيل)؟
فأجابت هوروفيتز: "بشكل عام، وحسب معاهدة روما الأساسية، فإن المحكمة في لاهاي لا تتدخل إن كان البلد قام بإجراء تحقيقات نشطة حول الأحداث، والجيش (الإسرائيلي) أجرى العديد من التحقيقات، وبالتالي يمكن تجنب لاهاي".
وتابعت هوروفيتز يمكن لإسرائيل أيضاً أن تصادق على نظام روما الأساسي –إسرائيل وقعت عليها فقط، ومطلوب التصديق لتصبح عضواً كاملاً- وأن تستفيد من المادة 124 التي تنص: "أنه يسمح للدول المصادقة على المعاهدة أن تختار عدم اخضاع مواطنيها اختصاص محكمة الجنايات لفترة سبع سنوات بعد التصديق عليها."
وهذا من شأنه أن يعطي (إسرائيل) نفساً مدة سبع سنوات، يمكنها من اتخاذ بعض الخطوات التي تضمن إبعاد سياسييها وجنودها عن قفص الاتهام في لاهاي حسب هوروفيتز.
وشددت هوروفيتز أنه يمكن (لإسرائيل) أيضاً أن تتوصل لمفاوضات سلام جادة تؤدي إلى وقف التحقيق في لاهاي، ويمكن لمجلس الأمن أن يطلب تجميد عملية التحقيق من أجل سير عملية السلام".
وختمت هوروفيتز يمكن (لإسرائيل) أن تطلب من المدعي العام في لاهاي عدم فتح تحقيق ضدها على قاعدة "أن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى السلام، وسيرافق السلام اتفاق سياسي من شأنه أن يحل مشكلة الأراضي المحتلة".