قائمة الموقع

"عدوان ثلاثي" ينقضّ على الطفلة انشراح

2015-01-22T15:35:40+02:00
الطفلة انشراح برفقة والدتها
غزة-حمزة أبو الطرابيش

أرعبها صفير الرياح وأصوات الزوابع التي ترتطم بألواح الزينكو، التي تشكل جدرانًا لتلك الغرفة الواقعة في أقصى مدينة بيت حانون المدمرة، فلجأت الطفلة المريضة (انشراح المدني) إلى حضن أمها، على أمل أن تجد فيه الدفء من البرد القارس، والدواء الذي يخفف أوجاعها، فيما تنتظر الأم صباحًا آخرَ يحمل موافقة هيئة العلاج بالخارج بسفر ابنتها لاستكمال علاجها.

الطفلة انشراح التي لم تتم عقدها الأول، يصارع جسدها الصغير مرض سرطان الدماغ، الذي تعاني منه منذ ولادتها وبدأ ينهش جسدها بالتزامن مع انتظارها موافقة من هيئة العلاج بالخارج التي تتخذ من مدينة -رام الله مقرًا لها-للخروج إلى المستشفى الإسرائيلي "ايخولوف" داخل الأراضي المحتلة، لاستكمال علاجها، خاصة أن تلك المشفى أجرت لانشراح قبل نصف عام عملية استئصال لبعض الأورام.

في تلك الغرفة الصغيرة التي لا تصلح للعيش الآدمي نتيجة تعرضها لقذائف الاحتلال خلال العدوان الثالث على غزة- حاورت "" جدة الطفلة "أم سامر" التي قالت إنهم ينتظرون موافقة رام الله للخروج إلى العلاج في (إسرائيل) بعد حصولهم على موافقة المستشفى هناك.

إدارة المستشفى الإسرائيلية أخبرت "أم سامر" في اتصال هاتفي قبل شهرين من كتابة هذا النص، بضرورة أن تكون انشراح في أسرع وقت على سرير العلاج؛ من أجل إجراء عملية جراحية يتم فيها استئصال العين اليمنى قبل وصول المرض إلى النخاع الشوكي، وفق الجدة.

تتابع الخمسينية أم سامر فيما كانت انشراح تجلس بقربها وتحتضن قطتها: "تواصلنا كثيرًا مع لجنة العلاج بالخارج، لكنهم دائمًا يقابلوننا برد واحد، أنه لم يجر التوقيع على التحويلة بعد".

"" حاولت الوصول إلى لجنة العلاج بالخارج، لمعرفة أسباب تأخر الموافقة على تحويلة خروج انشراح، لكن عدم إجابة مسؤولها الدكتور فتحي أبو وردة على الاتصالات الهاتفية المتكررة، حال دون ذلك.

وبالعودة إلى تلك الغرفة التي تأوي الطفلة المريضة وعائلتها المكونة من 8 أفراد، تجلس انشراح بصمت وعلى وجهها الشاحب ابتسامة بريئة، تراقب أخوتها وهم يلعبون مع بعضهم.

اقتربنا منها وسألناها عن أمنيتها، فكانت الإجابة: "بدي أتعالج، وبدي مرجيحة، وعلبة ألوان"، ثم تكورت خجلًا بعدها.

وعلى مقربة منها، تجلس والدة الطفلة أم أحمد (31 عامًا)، وهي تطعم طفلتها الأخرى بعض الخبز المبلل بالمياه، وتقول: "ولدت انشراح مصابة بهذا المرض، ثم تطور قبل عامين لينتقل من حميد إلى خبيث".

وتتابع: "صحيح أن استئصال عين ابنتي يؤلمني، لكن يجب علاجها حتى لا أفقدها، لأنها هي أعز ما أملك".

 تشوهات وجه انشراح وضعف حاسة البصر لديها، منعها من الذهاب إلى المدرسة، بالإضافة لما تتعرض له من عبارات كانت تخدش مشاعرها من زميلاتها في المدرسة، وفق أم أحمد.

استرقت الطفلة السمع وقاطعت حديث أمها، حين قالت بصوت متقطع وخافت: "نفسي أرجع على المدرسة، ولما أكبر بدي أكون أستاذة".

 صمتت الأم للحظة، ثم أكملت بعدما استجمعت قواها: "قبل خمسة أعوام طلقني زوجي وتنازل عن أطفالي الثلاثة، بعد تأزم حالة انشراح، وكان يرفض سفرها وتلقيها العلاج في الخارج".

وتسكن أم أحمد عند والدها في تلك الغرفة، منذ أن هجرها زوجها، علمًا أن والدها أيضًا من مرضى سرطان الجلد.

"والد انشراح لا يسأل عنها، وأنا أرى ابنتي تموت أمام عينيّ، ولا أجد الوسيلة لمساعدتها"، قالت هذا أم أحمد، ثم تحسبنت وراحت تبكي مخبئة وجهها بغطاء رأسها.

معاناة الطفلة المريضة والعائلة لم تقف عند هذا الحد، وبحسب الجدة أم سامر، فإن تزايد تساقط الأمطار يحوّل الغرفة إلى بركة مياه، فيما ينخز البرد أجسادهم الصغيرة، وفي الصباح يستيقظ الأطفال والمياه تحيطهم، "تشعر كأنك جالس في ثلاجة" تصف الجدة.

وحين عزم مراسل "" الخروج من تلك البوابة الحديدية بعد انتهائه من سماع فصول المعاناة التي تجتاح تلك الأسرة الفقيرة، صُدم بطلب الطفلة انشراح، حين قالت: "ادعيلي يا عمو أني ما أموت".

بالأمس ماتت الطفلة رزان صلاح في مشافي غزة وهي تنتظر موافقة من لجنة العلاج بالخارج حسب اتهامات خالها، واليوم ربما تكون انشراح الضحية الثانية، وغدًا لا نعلم من الطفل الثالث، ليبقى أطفال غزة تمزق أجسادهم قذائف إسرائيلية وتحرقها شمعة، وتخنقهم أسلاك المعابر، ويقتلهم تهميش بلا مبرر.

اخبار ذات صلة
مقال: بشريات انشراح
2017-11-06T05:48:47+02:00