على أعتاب الموت يعمل ذاك الرجل حاملا روحه على كفه تحت أقصى درجات الضغط النفسي والعصبي. يوصل الليل بالنهار من أجل خدمة أبناء شعبه والحفاظ قدر المستطاع على سلامتهم وسلامة أرواحهم من آلة البطش (الإسرائيلية).
داخل طاقم الإسعاف والطوارئ يعمل الخمسيني عبد الله الزعيم في مهنة المخاطر ولم يتقاعس لحظة عن أداء واجبه كضابط إسعاف منذ ما يزيد عن 22 عاماً.
وتكمن المسؤولية في عمل المسعفين بتلبية النداءات في حالات الطوارئ والحوادث المختلفة، وإنقاذ حياة المصابين، حالاتٌ عديدة ومواقف خطيرة وحرجة وقرارات مسؤولة يعيشها المسعفون يوميا في أكثر المهن إنسانية حول العالم.
في محطة الإسعاف والطوارئ وسط مدينة غزة كان يتجهز ضابط الإسعاف الزعيم لنقل إحدى الحالات الحرجة للعلاج داخل الأراضي المحتلة، بضع دقائق تلك التي منحنا إياها الزعيم للحديث عن عمله كمسعف منذ بداية التسعينات.
ويقول الرجل المسعف لـ إن عمله كان سبق وجود السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، ولكنه كان يقتصر علي نقل الحالات المرضية للعلاج داخل الأراضي المحتلة.
ويضيف المسعف الذي يرتدي بزة رمادية "مع بداية السلطة عملت سائقا خاصا لأول وزير للصحة وقتها رياض الزعنون لكن سرعان ما اندلعت الانتفاضة الثانية وطالبت بعودتي للعمل كسائق إسعاف".
ويتابع "اكتشفت وقتها أني اعشق هذه المهنة كونها تدمج بين المواقف الإنسانية والحكمة والمسؤولية التي يشعر بها كل مسعف، شعور جميل بأنك تنقذ حياة أشخاص في كل يوم".
على حدود غزة وبأماكن المواجهات التي كانت تقع يومياً كان يمضي الزعيم يومه متنقلاً بين خطوط التماس والمستشفى لنقل الإصابات لا يأبه بالمخاطر من حوله.
ويكمل الرجل ذو الوجه المتجعد: "مهمتنا خطرة جداً كوننا لوحدنا في الميدان والحروب لإجلاء الجرحى والشهداء ودائما نكون عرضة للاستهداف من الاحتلال".
ثلاثة حروب خاضها المسعف الزعيم كان يكتب له بعد كل حرب عمر جديد، كما يقول.
ويوضح المسعف الزعيم أن الحرب الأخيرة كانت من أشد الحروب التي مرت عليه، مستشهدا بما حدث معه عن توجهه لانتشال شهيدين من إحدى الأراضي الزراعية في مدينة بيت حانون، ويقول: "تم التنسيق لنا لدخول الأرض لنقل الشهداء وما إن دخلنا حتى تم استهدافنا بقذيفة أصيب على إثرها زميلي وتعطلت سيارة الإسعاف التي كنت أقودها".
يصمت صاحب البشرة القمحية برهة ويكمل: "لولا عناية الله لكنا في عداد الشهداء وقتها".
ويروي عن مهنته كضابط إسعاف قائلاً: "نحن ندفع ارواحنا من اجل انقاذ ارواح المواطنين وكثيرا ما عُرض علي الانتقال لعمل آخر كون سني كبير لكني دائما أرفض".
وتكمن المتعة في عمل الزعيم عندما يرى شخصا نقله للمستشفى بحالة الخطر معافى، عندها يشعر أنه أنجز عملا إنسانيا بإنقاذ حياة ذلك الشخص الذي كاد يفارق الحياة، كما يقول.
ويُصر المعيل لثلاثة من أبنائه على اكمال عمله بالرغم من المخاطر التي تحيط به حتى سن التقاعد لما يراه أنه خدمة إنسانية يقدمها لمجتمعه.