مثّل قرار المحكمة المصرية إدراج كتائب القسام "منظمة إرهابية"، سابقة في تاريخ الدول العربية التي كانت تحرص دوما على التقرب من فصائل المقاومة لاتخاذها رافعة أمام شعوبها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
قرار المحكمة آثار استنكارا واسعا في فلسطين وخارجها؛ كونه يتساوق مع ما يريد الاحتلال، الذي اعتبر بدوره القرار غير مسبوق وأنه "أهم وأنجح معاركه خلال السنوات الأخيرة"، وأنها المرة الأولى التي تتوافق (إسرائيل) مع دولة عربية على وصف المقاومة بالإرهاب.
القرار المصري الذي جاء بحسب محللين للتغطية على الفشل الامني في سيناء قد يحمل تداعيات خطيرة على الوضع والعلاقات بين الطرفين، خاصة أن مصر ترعى المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، وقرارها يكشر عن أنيابها ويدلل على أنها وسيط غير نزيه في التعامل مع القضية الفلسطينية، في حين قد تتأثر الجهود التي تبذلها حماس في حماية الحدود والتعامل الأمني مع الطرف المصري.
وكان مقيم الدعوى في محكمة القاهرة للأمور المستعجلة قد زعم أن كتائب القسام متورطة في العمليات "الإرهابية" داخل مصر، وأنها تستغل الأنفاق على الحدود لدخول مصر وتمويل عملياتهم "الإرهابية" وتهريب الأسلحة المستخدمة للفتك بالجيش والشرطة وترهيب المواطنين، والتي تهدف إلى زعزعة أمن البلاد واستقراره.
لكن أيا من تلك الادعاءات لم تثبتها المحاكم المصرية، بل زجت فيها لأكثر من مرة أسماء شهداء ومعتقلين لدى الاحتلال منذ سنوات، كما أن العمليات الأخيرة في شمال سيناء -التي اتهم الإعلام حماس بتنفيذها-أعلن تنظيم ولاية سيناء مسؤوليته عنها مدللا على ذلك بالفيديو.
القرارات والاتهامات المصرية تتنافى مع الواقع الأمني والميداني الجديد، الذي دمرت فيه السلطات المصرية جميع الأنفاق الواصلة مع غزة، وخلقت منطقة عازلة بعمق ألف متر لتقضي نهائيا على الأنفاق، خاصة أنها كانت تذرع بأنها الحل النهائي لمشاكلها الأمنية، غلا أن ذلك لم يحدث.
قرار المحكمة بحسب مراقبين، يدلل على أن السلطات المصرية تبيت النوايا بحق حماس رغم تعاون كتائب القسام لأكثر من مرة مع المخابرات المصرية لحل الكثير من القضايا الشائكة وحمايتها للحدود باعتراف المخابرات المصرية، كما أنها تولت إمداد الجيش المصري بالطعام وقت الثورة المصرية، ما يعكس حسن نية لدى حماس اتجاه مصر، على عكس ما تدعيه.
ويؤكد محللون أن القرار سيؤثر على العلاقة بين الطرفين، والدليل اعتبار مصدر مطلع في كتائب القسام أن قرار المحكمة سيؤدي لخسارة مصر الكثير مما لديها في قطاع غزة.
وشدد المصدر في تصريح إعلامي السبت، على أن هذا القرار يثبت أن مصر لم تكن وسيطًا نزيهًا، وأنها تحسم نفسها في خانة الأعداء للشعب الفلسطيني.
مخزٍ ومهين
المحكمة في القاهرة التي استخدمت لإطلاق الحكم على الكتائب، أكد قانونيون أنها قضت في غير اختصاصها، ما يعكس أن "هناك عملية تسييس للأمر ومخالفة للقانون"، خاصة ان المحكمة ذاتها قضت يوم الاثنين الماضي بعدم الاختصاص في نظر دعوى تطالب باعتبار حركة حماس "منظمة إرهابية"، حسب مصدر قضائي.
المحلل السياسي الدكتور عثمان عثمان اعتبر أن القرار مهين ومخزٍ "وهو تساوق مع القرارات الأمريكية و(الإسرائيلية)، مبينا أنه مهين بحق الشعب المصري المعروف بدعمه للقضة الفلسطينية "لذا عليه أن يتحرك لرفض القرار"، كما قال.
ونوه عثمان إلى أن القرار يعطي ذريعة للسلطات المصرية لاعتقال أي فلسطيني يخرج من القطاع بحجة انتمائه لكتائب القسام وممارسة الإرهاب.
وبحسب المحلل السياسي، فإن القرار سيؤثر على التنسيق الأمني بين الطرفين، خاصة بعد أن كشفت السلطات المصرية عن أنيابها وأثبتت أنها لم تكن نزيهة في الوساطة خلال المفاوضات غير المباشرة، بل هي تشجع الاحتلال في القضاء على المقاومة بحجة أنها إرهابية.
كما أن من أهداف القرار، كما يرى عثمان، تشديد الخناق على غزة وحماس، من خلال تشديد الحصار والعقوبات بحقهم.
ويأتي القرار المصري بعد قرار اوروبي صدر عن (المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، ثاني أعلى محكمة في الاتحاد) خلال ديسمبر/كانون أول من العام الماضي، قضى بضرورة رفع اسم حماس من قائمة الارهاب، وقالت إن قرار إدراجها عام 2003 في القائمة استند إلى تقارير إعلامية لا إلى تحليل مدروس.
من ناحيته رأى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أن القضاء المصري رضخ لبعض وسائل الإعلام المصري التي اتهمت حماس كثيرا بتنفيذ هجمات عبر جناحها العسكري داخل مصر، "وهو ما لم يثبت ولم يقدم أي دليل واقعي أو حقيقي يمكن الاعتماد عليه".
وأشار إلى أن القرار يثبت أن الجانب المصري الذي يفشل في مواجهة الإرهاب في شمال سيناء على وجه التحديد عاجز عن هذه المواجهة ويلقي باللوم على الآخرين كجزء من فشله بتبرير هذه المواجهة"، معتبرا أن "الزج باسم حماس ليس له من مسوغ في مصر خاصة أن القوى الإرهابية في سيناء ليست بحاجة للآخرين لدعمها وهي قادرة بإمكانياتها البشرية والأمنية على الاستمرار في عملياتها الإرهابية".
لتجريم مرسي
وقد لا يكون صدفة ما كُشف عنه إعلاميا عن حجز القضية التي يتهم فيه الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي بالتخابر مع حماس، للنطق بالحكم يوم 16 مايو، خاصة أنه بعد الحكم باعتبار "حماس" منظمة إرهابية يصبح الرئيس مرسي مذنبا إذا ما التقى قيادتها أو تعامل معهم، "وهنا يمكن إثبات التهم بحقه".
المحلل السياسي عثمان لم يستبعد أن تكون تلك إحدى الأهداف من وراء القرار المصري للاستفادة منه على المستوى الداخلي باعتبار مرسي يتضامن مع جهات إرهابية ويجب معاقبته.
وطالب المحلل السياسي الفصائل الفلسطينية بالتحرك لنبذ القرار، خشية أن يطالهم الدور من قبل المحاكم المصرية، مشيرا إلى أن رئيس السلطة يقع على عاتقه دور للتحرك ضد القضية في حال كان معني بالمقاومة.
ويرى أن حماس عليها التحرك دبلوماسيا ضد القرار باتجاه الدول العربية والإسلامية وخاصة تركيا وماليزيا وإيران وإندونيسيا، موضحا أن إدانة الحركة قد يتبعها إدانة للبنان التي تضم حزب الله، وإيران التي تدعم المقاومة.