تتواجد السلطة الفلسطينية هذه الفترة بين فكي كماشة، فشبكة الأمان العربية لم تفِ بوعودها في تحويل الأموال لخزينتها، البالغة 100 مليون دولار، في المقابل تستمر العقوبات الاقتصادية التي تفرضها (إسرائيل) عليها، عقب انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية.
وتلقى موظفو السلطة 60% من راتب شهر ديسمبر، كما أعلنت وزارة المالية صرف دفعة قريبة من الرواتب بالقيمة نفسها عن الشهر المنصرم؛ وذلك بعد الجهود الحثيثة التي تبذلها لتأمين هذه الدفعة.
ليست حقيقية
فاتورة رواتب الموظفين تكلف خزينة الدولة ما يقارب 215 مليون شيكل، في المقابل تشكل أموال الضرائب التي تحتجزها (إسرائيل) ما يزيد عن 60% منها.
السلطة أعلنت منذ بدء الأزمة المالية مع الطرف الإسرائيلي في منتصف ديسمبر الماضي، أنها تدرس كل السبل لمواجهة السياسات الإسرائيلية التعسفية التي تستهدف قوت موظفيها وحقهم في الحياة.
لكن الواقع يخالف ما ترجوه القيادة الفلسطينية من مواجهة اجراءات الاحتلال بحقها، بدليل استمرار أجهزتها الأمنية في التنسيق الأمني؛ لتقويض المقاومة بالضفة المحتلة.
محللون سياسيون أجمعوا خلال حديثهم لـ"الرسالة" على أن الأزمة المالية المعلن عنها منذ فترة من السلطة ليست حقيقية بالكامل، بل يمكن التعاطي معها خلال تلك الفترة في حال رغبت ذلك.
كما توقعوا أن الأزمة من اختراع رئيس السلطة محمود عباس بالتنسيق مع من حوله؛ في محاولة لإظهار حرصه على مصلحة المواطن الفلسطيني، من خلال اتخاذ مواقف دولية ضد الاحتلال.
ويرى المحلل السياسي تيسير محسين، أن رئيس السلطة يحاول ابقاء تلك الأزمة ماثلة للعيان ومُثارة في وسائل الاعلام الفلسطينية والإسرائيلية لتحقيق أهداف سياسية متمثلة في تحفيز المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال والإفراج عن الأموال، ولكي تواصل السلطة استجداء الدعم المالي العربي والغربي لخزينتها.
الأمر الذي يعني -وفق محيسن-استمرار هذا الوضع لشهور مقبلة حتى انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في مارس المقبل، ومعرفة التوجه الجديد للحكومة الاسرائيلية في تعاملها مع السلطة.
ويؤكد ذلك ما كشف عنه وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، عن وجود ضغوط جدية من عدة أطراف كمصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لإقناع الاحتلال بالإفراج عن مستحقات السلطة، اضافة إلى استمرار تواصل الدعم لخزينتها.
إيصال رسالة
ويعتقد المحلل السياسي نعيم بارود بدوره، أن القيادة الفلسطينية تسعى إلى ايصال رسالة للاحتلال أنه لا بديل عنها بالضفة سوى المقاومة، "وهذا ما لا ترغب به (إسرائيل)، على اعتبار أن السلطة وأجهزتها الأمنية تحقق الكثير من الأهداف للاحتلال دون أن يدفع الأخير أي ثمن مقابل ذلك"، كما يقول.
ويتفق محيسن مع بارود بقوله إن السلطة بتلويحها بالانهيار تريد أن تبعث رسالة لـ(إسرائيل) بأن ذلك إذا ما تم فإنه يهدد أمنها بالدرجة الأولى.
وذكر بارود أن الأزمة التي تمر بها السلطة ما هي إلا زوبعة في فنجان وحدث عابر ناتج عن سوء فهم بين الطرفين، مضيفا: "سنرى في الأيام المقبلة عودة العلاقات الوطيدة بين الطرفين".
الواقع المؤكد أن السلطة تحمي الاحتلال على أرض الضفة، التي تؤمن (إسرائيل) أنها أرض استراتيجية لدى المقاومة في مشروع التحرير.
وهنا يؤكد نعيم أن الاحتلال يحافظ على السلطة وأجهزتها الأمنية أكثر مما تحافظ الأخيرة على نفسها، "وذلك دليل على أن المصالح الامنية المشتركة بين الطرفين ستجبرهما على طي أي خلاف بينهما".
وهذا يعني -وفق المحلل السياسي نعيم-عودة مياه العلاقات بينهما إلى مجاريها، وافراج الاحتلال عن الأموال، وعودة انتظام رواتب موظفي السلطة كاملة، لكنه أكد أن الاحتلال سيبقى محتكرا قرارات الشعب، "خاصة أن الفلسطينيين وتحديدا بالضفة المحتلة يفتقرون لقيادة جادة تحافظ على حقوقهم المهدورة".
إلى ذلك، توقعت مصادر نقابية أن يناقش مجلس الوزراء في جلسته المقبلة خطة تقشف تهدف إلى تقليل المصروفات، وتشمل الخطة أيضا تقليص دوام الموظفين لتقليل النفقات التشغيلية وتخفيض نفقات حركة فتح.