تأجيل زيارة وفد منظمة التحرير لقطاع غزة أكثر من مرة يعكس حجم الازمات التي تعصف بملف المصالحة الفلسطينية التي جرى تجميدها بقرار من رئيس السلطة محمود عباس عقب التفجيرات التي طالت عددا من منازل قيادات حركة فتح في قطاع غزة عشية الذكرى السنوية لرحيل الرئيس ياسر عرفات في نوفمبر الماضي.
ومثلت التفجيرات في ذلك الوقت فرصة ذهبية للرئيس عباس لتجميد ملفات المصالحة بعد اتهامه حركة حماس بالوقوف خلف التفجيرات رغم عدم وجود أدلة على تورطها وترجيح مراقبين بأن تكون التفجيرات مردها الخلافات الفتحاوية الداخلية، قبل أن يعود ويرفع الفيتو عن الحوار مع حماس كما نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر فلسطينية واسعة الاطلاع.
ويبدو أن الأزمة السياسية والمالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن مع الاحتلال الإسرائيلي يدفعها للتلويح بالعودة إلى مربع المصالحة مع حماس، خاصة أن عباس استخدم المصالحة منذ البداية كورقة ضغط في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
وما يعزز هذا الحديث اشتراط عباس ألا يتطرق الحوار مع حماس إلى اجتماع الإطار القيادي المؤقت للمنظمة أو الانتخابات، وتركيز الحوار على بسط السلطة سيطرتها على القطاع فقط.
تركيز السلطة وحكومة التوافق والحديث المتكرر عن بسط سيطرتها على قطاع غزة يأتي في إطار مساعيها لحل أزمتها المالية خاصة ان الدول المانحة التي دعمت اعادة الاعمار وموازنة السلطة في مؤتمر الاعمار الذي عقد في القاهرة عقب انتهاء الحرب على غزة رهنت تدفق أموال الاعمار ببسط سيطرة ونفوذ حكومة التوافق على قطاع غزة.
ويبدو جلياً ان السلطة لا تريد من المصالحة الا بسط نفوذها على غزة دون دفع الاستحقاقات التي ترتب على ذلك، فعباس يريد استلام غزة بالكامل وإعادة موظفي السلطة الفلسطينية الذين توقفوا عن العمل عقب أحداث الانقسام الداخلي في عام 2007 بقرار من رئيس الوزراء في حينه سلام فياض، ومن ثم الاستعانة بموظفي القطاع المدني الذين عيّنتهم "حماس" في حكومتها السابقة، وليس دمج الموظفين، وهو ما يخالف اتفاقيات المصالحة، التي نصت على أنّ يتم دمج موظفي السلطة السابقة، وخاصة الأجهزة الأمنية تدريجياً في الأجهزة التي شكّلتها "حماس".
رفض السلطة والمماطلة المتكررة في ملفات المصالحة الرئيسية تصيب حماس بإحباط كبير وهو ما يعكسه عدم اهتمامها كثيراً بالزيارة المتوقعة للوفد رغم ترحيبها، فهي تدرك تماماً الملفات التي يحملها الوفد في أجندته والملفات التي سيبقيها حبيسة الأدراج، كما تعلم أن الوفد فعلياً بلا صلاحيات وأنه مجرد ناقل لوجهات النظر بين الرئيس عباس وحماس وما يريده كل طرف من الاخر.
مصادر في حركة حماس أكدت أن عباس يرسل الوفد أملاً في حل أزمته المالية التي تكمن في غزة، وذلك بسبب ربط أموال الاعمار والموازنة بسيطرة السلطة على القطاع وهو الأمر الذي يحتاج ترتيبات مع حركة حماس.
وبينت المصادر ان حل الازمة المالية للسلطة في قطاع غزة، وذلك لأن السلطة ربطت موازنتها بأموال الاعمار في مؤتمر الاعمار ما يعني أنه دون التفاهم مع غزة لن يدفع أحد من المانحين أموالا للسلطة.
ومهما كانت الأزمات التي تعاني منها حركة حماس فان حال السلطة ربما يكون الأسوأ بعدما فقدت البوصلة وباتت تتخبط خاصة بعد فشل مشروع التسوية الذي تبنته منذ عقدين من الزمن وأثبت فشله بالكامل، كما أنها أبقت نفسها رهينة بيد الاحتلال الذي يتحكم بمواردها ومصادر تمويلها ويجبي عنها أموال الضرائب ويحتجزها دون أي مساءلة دولية أو قانونية.
وربما هذه الأزمات هي السبب الحقيقي وراء رفع الفيتو العباسي عن الحوار مع حماس أملاً في الضغط على الاحتلال للتخفيف من ضغوطه المالية على السلطة، وهذا ما يؤكده المحلل السياسي هاني البسوس.
ويرى البسوس أن تجميد ملفات المصالحة الأساسية والحديث مع حماس حول فرض السيطرة على القطاع غير مقبول وطنيًّا ولا منطقيًّا، خاصة أن حماس الفصيل الأكبر في المجلس التشريعي.
وبين أنه من غير المنطقي ان يستخدم الرئيس عباس المصالحة كورقة ضغط على الاحتلال ما يعني أنه غير مهتم بتحقيق المصالحة وما يدفعه في كل مرة للتقرب من حماس هو أزمته مع الاحتلال فقط.