مجرد أن سارعت دائرة الارصاد الجوية اعلان توقعاتها وصول منخفض جديد منتصف الأسبوع للأراضي الفلسطينية وتحديدا قطاع غزة، هرول العديد من أرباب الأسر إلى الأسواق لشراء ما يلزمهم من احتياجات أساسية كالأطعمة والمشروبات الشتوية، خوفا من تعذر الخروج من المنازل على ضوء الفيضانات التي من الممكن ان تحدثها الامطار.
وعلى إثر الواقع المتردي الذي عايشه المواطنون من جراء غرق احياء بأكملها خلال الشتاء المنصرم، أصبح بعضهم مصابا بـ"فوبيا المنخفضات" ولا سيما أصحاب البيوت المدمرة المقيمين في كرفانات أو تحت الاسطح الآيلة للسقوط.
الخمسيني أبو فضل سلمان من حي الشجاعية، هُدم بيته عدا غرفة واحدة حاول استصلاحها خشية دخول الامطار كما حدث معه خلال المنخفض الاول هذا الشتاء حيث غرقت غرفتهم ووجدوا صعوبة في الانتقال إلى مكان آخر.
يقول: "مجرد سماعي كلمة "منخفض" أخذت جميع الاحتياطات، الأمر لا يقتصر على توفير الأطعمة، بل تأمين المكان. فصوت الرعد يصيب أبنائي بالهلع ويخشون هدم البيت فوق رؤوسهم كون الصوت يذكرهم بالصواريخ.
يخشون المنخفض
لم تكن عائلة سلمان وحدها تعاني "فوبيا" المنخفضات بل هنا عائلة أم عبد الرحمن النجار، التي يرفض صغارها الذهاب للمدرسة فهم اعتادوا بداية الشتاء الحالي البقاء في البيت طيلة المطر.
ودوما يردد الأبناء على مسامع أمهم أنهم يخشون الذهاب إلى المدرسة دون التمكن من العودة، كما حال زملائهم في المدرسة الذين فقدوا بيوتهم خلال العدوان وآخرين قضى المنخفض الاخير على خيامهم المنصوبة على الانقاض.
تروي الأم "للرسالة" رغم أنهم خرجوا من بيتهم الذي يحيطه العديد من البيوت المهدومة إلا أن صغارها يخشون المنخفض وما يحمله من أمطار، ففي السابق كانوا يسعدون بسماع الرعد بينما الان يخشون أن يسقط البيت ويحاصرون داخله.
أما أبو خالد فلا يخفي خوفه من المنخفضات، وقال إنه يخشاها على ضوء تكرار حادثة غرق بيته.
من ناحيته يقول اسماعيل أبو ركاب الاختصاصي النفسي أن الصدمة التي تعرض لها غزيون ما تزال اعراضها ظاهرة عليهم، ولا سيما من تهدمت بيوتهم، وبات الأطفال يخافون أصوات الرعد وضوء البرق التي تذكرهم بالصواريخ.
وعن الهلع الذي يصيب الغزيين عند سماع كلمة "منخفض" يبرر الاختصاصي النفسي ذلك بأن سببها قوة الاشاعات حول شدة الامطار وتأثيراتها خاصة على من فقدوا بيوتهم.
وأشار إلى أن ذكر "المنخفض" ارتبط بمنخفض "اليكسا" الماضي وما سببه من دمار وغرق للمنازل الامر الذي انعكس تلقائيا على المواطنين.
ويوضح أبو ركاب أن ذكر المنخفض يسبب القلق لدى بعض المواطنين، إلى جانب أن السياسة والحرب النفسية والاذاعات الاسرائيلية تلعب دورا في نشر الهلع بين الغزيين حينما تعرض الاثار السلبية التي ستقع خلال المنخفض.
وأكد على أن تسليط الضوء في الاذاعات المحلية يفاقم المشكلة، داعيا إياها إلى توعية المواطنين لكن دون مبالغة وطالبها باستخدام مصطلحات الطقس بدلا من منخفض وامطار.
وختم أبو ركاب حديثه عن المتغيرات النفسية الناجمة عن المنخفض ويقول: "يشعر المواطن بالتهديد خشية فقدانه بيته مما يسبب له القلق وفقدان التركيز وعدم الاستقرار، وانعدام الشعور بالأمن والاهتمام بالآخرين".