قائد الطوفان قائد الطوفان

بعد 22 عاما في الأسر

السنوار .. حكاية بطل خلف قضبان القهر

غزة - أمل حبيب

في أزقة معسكر خانيونس جنوب القطاع اعتاد أطفال الحي الاجتماع حوله ليقوم بتدريبهم على الانضباط العسكري, وبصوت عال كان يوزع المهام عليهم قائلا : شمال يمين.. للأمام سر, ومن يخالف الأوامر يعاقب على الفور.

تبلورت شخصية الأسير يحيى إبراهيم السنوار القيادية شيئا فشيئا , فمنذ نعومة أظفاره كان قائدا متميزا بين أبناء جيله , عاشقا للتحدي والفوز في كل المنافسات , حتى وصل إلى تأسيس جهاز أمني متكامل باسم (مجد) مع إخوانه في الحركة الإسلامية , واليوم يقبع السنوار في العزل الانفرادي ويعاني من آلام شديدة في معدته ووضعه الصحي سيء .   

 الطفولة والنشأة

أبصر الأسير يحيى السنوار النور في عام 1962 وترعرع في كنف أسرة محافظة ميسورة الحال هجرت من منطقة المجدل عسقلان عام 48 واستقر بها الحال في مخيم للاجئين في خانيونس , كان جد يحيى ووالده يملكان مصنعا آليا لصناعة النسيج والوضع المادي للعائلة ممتاز مقارنة بظروف الناس آنذاك .

كان ليحيى في طفولته مواقف عديدة تنم عن شخصيته القيادية وطموحه الكبير, ويسترجع د. زكريا السنوار المحاضر بالجامعة الإسلامية بعض الذكريات مع شقيقه فيقول :" في يوم من الأيام كان يحيى يجمع الخشب ويقطعه بشكل هندسي فني وهو يقول :"بدي أطير مثل عباس بن فرناس , علمت من خلال دروسي بأنه أول من حاول الطيران".

وأوضح زكريا بأن أخاه يحيى كان يحب قراءة الكتب التي تعنى بالرياضة وفن الكاراتيه , ومن خلال قراءته بدأ يتدرب بأدوات بسيطة مثل أكياس الرمل من دون الالتحاق بالنوادي الرياضية .  

أنهى تعليمه الابتدائي في مدرسة الشيخ جميل ثم انتقل إلى مدرسة خانيونس في المرحلة الإعدادية , وفي مدرسة خانيونس الثانوية حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1980-1981 بتقدير جيد جدا , ولكنه التحق بالجامعة الإسلامية في كلية العلوم, ويقول شقيقه (للرسالة) :" الفرصة كانت متاحة ليحيى بالدراسة في جامعات الضفة , فالبرغم من انه قدم للالتحاق بجامعة بيرزيت ومعهد المعلمين برام الله إلا انه أصر على الدراسة بالإسلامية " , وأضاف :" بسبب انشغاله في النشاط الطلابي بشكل فاعل انتقل من كلية العلوم إلى الآداب لدراسة اللغة العربية ".

دوره في بناء الجامعة

ساهم يحيى بدور فاعل في بناء الصرح الشامخ , ويوضح شقيق يحيى بأنه كان يجيد البناء والقصارة , فكان يشكل مجموعة من الطلبة ليعملوا على بناء غرف للجامعة وهو على رأس العمل, ومجموعة أخرى تقف على الشارع العام ودورها مشاغلة الجنود حتى يستطيع يحيى ورفاقه الهرب بسرعة بين صفوف الطلبة , حيث كانت أوامر الاحتلال العسكرية تمنع بناء الجامعة آنذاك .

أما بالنسبة للكتلة الإسلامية فكان يحيى من أبرز مؤسسيها على مستوى الجامعة فكانت شخصيته مميزة يحسن التصرف واتخاذ القرارات , فتم ترشيحه لمجلس الطلاب لأربع سنوات متتالية , فانتقل من مسئول للجنة الفنية والرياضية إلى رئيس للمجلس ومن ثم نائب للرئيس.

متفهم للآخر

وعن أهم الصفات التي كانت تميز شخصية الأسير السنوار يقول د.عطا الله أبو السبح رئس رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين واحد المقربين من يحيى :" كان له من الخصال والسجايا الكثير فكان مبادر لخدمة الآخرين ومتعاون ومتطوع في بناء الجامعة الإسلامية حجرا حجر , وكذلك عمله الدعوي في المساجد ", وتابع وبصوته نبرة حزن :" اسأل الله أن يفك أسره , لقد كان متفهما لشباب الاتجاهات الأخرى، ودائما الابتسامة مرسومة على وجهه , ورغم فارق السن بيني وبينه إلا انه يحترم الكبير ويقدر الأساتذة ".

أولى الاعتقالات

اعتقل يحيى أول مرة عام 1982 وذلك عندما ذهب مع مجلس الطلاب لزيارة الطالبات بعد حادثة تسميمهن في جنين وطولكرم على أيدي العملاء فحكم عليه بالسجن لستة أشهر في سجن الفارعة وبعد هذا الاعتقال يقول شقيقه زكريا بان الاحتلال أصبح يداهم منزل يحيى لفترات طويلة كل ليلة من بعد صلاة العشاء حتى الفجر ويفتشوا في كل شيء على أمل بان يعثروا شيئا ضد يحيى .

عرض أهل يحيى عليه الزواج , فكان يعمل في البناء وله أدوات تؤهله لأخذ مقاولات كبيرة ووضعه المادي الجيد كان يؤهله للزواج ولكنه كان يرفض ويقول لذويه :" أنا بصراحة أمامي مشروع سأكسب من ورائه الكثير(...) أقرضوني المال لأنجزه " ولكن أهله رفضوا لان الارتباط والأسرة في نظرهم أهم له من أي مشاريع أخرى .

وذكر شقيقه المقرب إليه بان الصفقة كانت عبارة عن إمكانية  شراء أسلحة .

تأسيس مجد

ويقول شقيق الأسير زكريا:" في عام 1980التحق يحيى بالإخوان المسلمين على يد الشيخ احمد محمد نمر حمدان إمام مسجد الرحمة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي  وكان منشغلا في التخطيط , ولا وقت لديه للتفكير بالارتباط متابعا مشواره الدعوي مع رفاقه الإخوان , وبدا الشيخ احمد ياسين للتخطيط في توجه جديد بعد ازدياد خطر العملاء  وعمليات إسقاط الشباب الفلسطينيين ", وأضاف :" الأمر الذي دفع يحيى مع إخوانه للعمل الجاد لمقاومة التيار الجارف الذي يهدد الشعب الفلسطيني بكامله ".

الشبل جميل وادي كان على علاقة قوية مع يحيى شاهد أحد رجال المخابرات وهو يرسم على الحائط أشكالا ورسومات ورموزا, ولكن رغم حداثة سنه استغرب الأمر فقام بجولة على مستوى خانيونس ورصد أماكن الرسومات , ثم ابلغ يحيى على الفور , فالتقى يحيى بالشيخ احمد ياسين وابلغه بالأمر مطالبا اياه بضرورة المتابعة .

واكتشف يحيى بعدها بأنها رموزا من ضباط المخابرات للعملاء , وبعد مراقبة ومقارنة الرسومات وتمكنوا من تحديد العميل , وتطور الأمر إلى فك رموز شيفرة المخابرات الإسرائيلية مما أحبط كثيرا من مساعي المخابرات ضد الشعب الفلسطيني , بالإضافة إلى خطف عدد من العملاء والتحقيق معهم , وهي الخطوة الأولى في الجهاز الأمني الجديد بتكليف من الشيخ الياسين والذي يسمى بمجد ( منظمة الجهاد والدعوة ) .

الاعتقال من جديد

واندلعت انتفاضة الحجارة وتم اعتقال يحيى في عام 1988 ومحاكمته بالسجن الإداري مدة ستة شهور , وبعد نحو شهر حدثت مشكلة مع روحي مشتهى بعد انفجار عبوة ناسفة كان يعدها , فمنعت قوات الاحتلال العلاج وأخضعوه للتحقيق , وبعدها حول يحيى من الاعتقال الإداري إلى التحقيق .

 وبعد الضربة عام 1989 ضد حركة حماس  تم اكتشاف حقيقة عمل يحيى ورفقاه ودوره في التخطيط لخطف جنود حتى وهو داخل السجن وانه من مؤسسي جهاز مجد فتم محاكمته من جديد لمدة 426 عاما ولكنه لم يقهره السجن فكان يخطط لعمليات فدائية من داخل السجون الإسرائيلية ويوزع نشرات على أبناء الحركة تحذرهم من عمليات الإسقاط وكيفية المواجهة .

أما أثناء التحقيق فكان يشد من عزيمة الشبان ويهون عليهم مصابهم ويدفعهم إلى المزيد من الثبات والمقاومة , وكانت له كلمة يقولها لم يخضع للتحقيق من رفقائه :" إذا دخلت التحقيق ارفع عقلك وضع مكانه زلطة ".

وفي عام 2000 اكتشفت المخابرات الإسرائيلية بان ليحيى علاقة في عملية تبادل أسرى خارج فلسطين فأضيف له 50 عاما فأصبح مجموع سنوات حكمه 476 عاما . 

وفاة والدته

والدة يحيى كانت تقضي أيام حياتها على أمل واحد وهو أن تقر عيناها برؤية فلذة كبدها يحيى  فكان الشغل الشاغل لها , وفي كل موعد زيارة تسجل رغم أنها تعلم بأنها ممنوعة من ذلك طوال المدة التي قضاها في الأسر , فتناجي الله في كل صلاة بان يفرج كرب ابنها تارة , وتارة أخرى تنتظر أن تسمع أي خبر من الأسرى المفرج عنهم لعل واحدا منهم يحمل رسالة لها من ابنها تبرد نار شوقها لرؤيته , ولكن مرض السرطان الذي افترس جسدها كان أسرع ففارقت الحياة .

وبعد وفاة والدته الحاجة أم جميل طلب أصدقاء يحيى من إدارة السجن أن يسمحوا له بالاتصال بأهله ليعزيهم بالفقيدة , ولكنهم أرادوا أن يذلوا البطل يحيى فطلبوا أن يطلب هو بنفسه الاتصال مع ذويه للتعزية ولكن يأبي الأسد أن ينكسر , فرفض يحيى بكل عزة وكرامة قائلا :" أنا لن اطلب منهم شيئا (...) والدتي رحمها الله توفيت , وأهلي صبرهم الله , وأنا الحمد لله صابر محتسب " .

وضعه الصحي

واليوم يعاني يحيى من حالة صحية سيئة بسبب العزل الانفرادي , من جهته يقول زكريا ونظارته الطبية تخفي خلفها بعض الدموع :" منذ عام 2005 بدا يحيى يشعر بألم شديد في الرأس وغير قادر على التركيز , بالإضافة إلى نسيانه بعض الأمور ,وأمام الضجة الإعلامية التي حدثت آنذاك تم نقله إلى المستشفى وتبين بأنها بداية جلطة وتم إخضاعه لعملية جراحية وتحسنت حالته", وأضاف :" قبل حوالي شهر من الآن تدهورت حالة أخي الصحية وأصبح يعاني من قرحة في المعدة ويتقيا دما في عزله الانفرادي في سجن ريمون وإدارة السجن تمنع تلقيه للعلاج حتى الآن .

هي حكاية بطل أرعب المحتل حتى وهو داخل عزله الانفرادي وقهر السجن والسجان من اجل كرامتنا وحرية فلسطين .  

 

 

 

البث المباشر