أثار الانهيار السريع وغير المتوقع أمس الاثنين لمفاوضات اليونان حول أزمة ديونها مع دول منطقة اليورو أسئلة مفتوحة حول احتمالات خروج هذه الدولة المثقلة بديونها من منطقة العملة الأوروبية الموحدة، وذلك بعد رفض حكومة ائتلاف اليسار واليمين الجديدة مطالب شركائها الأوروبيين بتمديد حزمة الإنقاذ المالي الذي ينتهي آخر الشهر الجاري، وبتراجع أثينا عن وعودها بإنهاء سياسة التقشف وقطع تعاونها مع ترويكا الدائنين الدوليين.
وأرجعت وسائل إعلامية ألمانية فشل المفاوضات لتمسك وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس بمطلب حكومته ببرنامج مساعدات جديد بشروط مخففة لفترة تناهز أربعة أشهر، وإصرار رئيس منطقة اليورو يورين ديسلبلوم على التزام أثينا بمواصلة برنامج الإنقاذ الحالي المشروط بتنفيذ سياسات التقشف واقتطاعات في الموازنة.
وكشفت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ أن وزراء مالية منطقة اليورو رفضوا طلب نظيرهم اليوناني بضمانهم تقديم البنك المركزي الأوروبي مساعدات تمكن المصارف اليونانية من البقاء على قيد الحياة مقابل عدم تنفيذ حكومة ألكسيس تسيبراس لأي وعود انتخابية قطعتها إن كانت ستتكلف نفقات إضافية.
خيار حتمي
وفور الإعلان عن فشل المفاوضات خرجت أصوات في ألمانيا لتؤكد أن إفلاس اليونان وعودتها لعملتها القديمة الدراخما وخروجها من منطقة اليورو أصبح خيارا لم يعد ممكنا منعه.
وذكرت دراسة لمصرف كوميرتس الألماني أن اليونان المصنفة كثانية دولة بالعالم -بعد اليابان- من حيث ارتفاع دينها العام مقارنة بناتجها المحلي الإجمالي ستواجه خطر الإفلاس إن وصلت مفاوضتها مع شركائها الأوروبيين إلى طريق مسدود.
وأشارت الدراسة إلى أن أثينا المثقلة بديون تبلغ حاليا 318 مليار يورو (359 مليار دولار) ستتكبد بمجرد انتهاء حزمة الإنقاذ دون تمديدها خسارة بقيمة ثمانية مليارات يورو (تسعة مليارات دولار) دفعة واحدة، والعجز عن توفير مبلغ 18 مليار يورو (عشرون مليار دولار) لسداد رواتب موظفيها ومعاشات المتقاعدين، كما سيطلب منها رد كل المساعدات الأوروبية التي حصلت عليها لمنع نظامها المصرفي من الانهيار.
واعتبرت رئيسة قسم الاقتصاد بمصرف هيلابا غترواد تراود في تصريحات لصحيفة بيلد الألمانية أن احتمالات خروج اليونان من اليورو تزايدت نتيجة فشل المفاوضات مع الشركاء الأوروبيين، وقال شتيفان كوتهس من معهد الاقتصاد العالمي للصحيفة نفسها إن إصرار الحكومة اليونانية الجديدة على تنفيذ وعودها الانتخابية لن يكون ممكنا مع بقائها ضمن منطقة اليورو.
أفضل الحلول
ومن جانب آخر، اعتبر هانز فيرنز زن أبرز العلماء الاقتصاديين الألمان ومدير معهد إيفو أن فشل المفاوضات بين أثينا ومنطقة اليورو "جاء نتيجة مقامرة تسيبراس المرتفعة ومطالبته بمساعدات بالمليارات رغم إعلان وزير ماليته أن بلاده مفلسة".
وأضاف زن أن أفضل حل لليونانيين هو إسقاط جزء من ديونهم وخروجهم في الوقت نفسه من اليورو، واعتبر أن هذا الحل سيحول دون استمرار أثينا في الاقتراض ويمكن اقتصادها من التعافي واستعادة قدرته التنافسية.
ولفت العالم الاقتصادي إلى أن اليونان استعدت منذ خمس سنوات للخروج من المنظومة الأوروبية، وخلص إلى أن ارتفاع حجم المساعدات التي حصلت عليها الحكومات اليونانية منذ بدء الأزمة من خمسين مليار يورو (56.4 مليار دولار) قبل خمسة سنوات إلى مائتين وخمسين مليار يورو (282 مليار دولار) حاليا، وتضاعف معدلات البطالة في الفترة ذاتها أظهر فشل استراتيجية أوروبا في التعامل مع هذه الأزمة.
مصلحة مشتركة
وعلى العكس من الرأي السابق، توقع مدير الأبحاث بمعهد الاقتصاد الألماني ألكسندر كريكستوس استمرار المفاوضات بين اليونان ومنطقة اليورو، مستبعدا خروج البلاد من هذه المنطقة.
وأشار كريكستوس إلى وجود مصلحة مشتركة للطرفين في الاتفاق في الأيام القادمة، واعتبر كريكتوس في تصريحات للجزيرة نت أن حل أزمة اليونان يكون بإعفائها من ديونها المعادلة لنحو 175% من الناتج المحلي الإجمالي أو عبر جعل نسبة الفائدة على هذه الديون صفراً.
ورأى الاقتصادي الألماني أن تسيبراس لن يجازف بإخراج بلاده من منطقة اليورو لأنه يعرف أن تداعيات هذا ستكون باهظة التكلفة.
وفي السياق نفسه، اعتبر المحلل ببورصة فرانكفورت الطيبي السعداوي أن برلين ستكون مضطرة في حالة واحدة لإخراج اليونان من اليورو، وتتمثل في إصرار حكومة تسيبراس على رفض كل الاتفاقات السابقة مع المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والمركزي الأوروبي.
الجزيرة نت