ينتشر في المحافظات الجنوبية

" التكتك" تابوت متنقل يحمل أطفال المدارس!

رفح- محمود فودة

لم يدر بخلد أبو جهاد -اسم مستعار- أن نهاية موافقته على ذهاب أبنائه بواسطة "التكتك" للمدرسة، ستكون كسرا بليغا في قدم ابنه محمد "8 سنوات"، إلا أن التكلفة المضاعفة لنقلهم عبر السيارة دفعته لإرسالهم بتلك الوسيلة رغم علمه بخطورتها.

خلال تجولك في المحافظات الجنوبية من قطاع غزة، سيلفت انتباهك مشهد استخدام أطفال المدارس لوسيلة النقل المسماة "التكتك"، رغم أن القانون ينص على منع نقل الأفراد عبرها بحسب تأكيدات شرطة المرور والمواصلات.

في كل منها يركب أكثر من 15 طفلا وقد تدلت أطرافهم خارجه، لينتقلوا عبرها من أماكن سكناهم إلى مدارسهم وبالعكس.

وتصنف "التكاتك" ضمن الدراجات النارية بثلاث عجلات، مخصصة للبضائع، وانتشرت في محافظات قطاع غزة بعد دخولها عبر الأنفاق من جمهورية مصر العربية في العام 2008م.

وتنص المادة (68) على عدم جواز قيادة الدراجة النارية أو الركوب عليها إلا إذا كان السائق لابساً خوذة واقية من النوع الذي صادقت عليه سلطة الترخيص، كما لا يجوز لقائد الدراجة النارية السماح بركوب شخص أمامه أو خلفه أو نقل حمولة إلا إذا كانت مستوفية للشروط المحددة في اللائحة.

وتشير الإحصائيات التي توصلت لها http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png أثناء تحقيقها إلى أن عدد حوادث "التكاتك" في مدينة رفح وحدها خلال العام 2014م والتي تنشر فيها ظاهرة نقل الطلاب عبر تلك الوسيلة مقارنة بالمحافظات التالية قد بلغت 29 حادثًا تسبب معظمها في إصابات بصفوف المواطنين منهم نساءٌ وأطفال وصفت ما بين المتوسطة والطفيفة، فيما بلغت منذ بداية هذا العام وحتى إعداد هذا التحقيق 5 حوادث.

معد التحقيق رصد عددا كبيرا من الحوادث والتي حلت عشائريًا ما يعني أن الإحصائية الرسمية لا تعبر عن العدد الحقيقي للحوادث والإصابات، وهو الأمر الذي أكدته شرطة المرور حيث أوضحت أن من بين كل 5 حوادث، تصل واحدة فقط إلى مراكز الشرطة.

عائق الوضع المادي

والد الطفل محمد والذي كسرت قدمه قال - فضّل عدم الكشف عن اسمه - "للرسالة" إن المشكلة قد حلت مع صاحب التكتك باتفاق عدم معرفة الشرطة حرصًا على لقمة عيش السائق، مضيفا: "ما جرى حادث قضاء وقدر، وطالما انا ارتضيت أن يذهب ابني في التكتك لمدرسته، عليّ القبول بالنتائج".

سائقو  التكاتك لا يتقيدون بإجراءات السلامة

محمد أبو جزر الواقع في حي التنور شرقي رفح جنوب القطاع، والذي يبعد بيته مسافة 2000 متر عن مدرسة أولاده، رأى في ذهاب أبنائه عبر التكاتك الحل الأمثل في ظل الضائقة المادية التي يمر بها.

ويقول أبو جزر في حديث لـhttp://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png : "عندي 5 أطفال في المدارس، إذا أردت إرسالهم بسيارة احتاج لـ10 شواكل يوميًا للمواصلات عدا عن المصروف"، علمًا أن أجرة النقل بالتكتك تبلغ نصف أجرة النقل بالسيارة.

تحدثنا لعددٍ من أهالي الطلبة أمثال أبو جزر، وأجمعوا على أن الظروف المادية تُجبرهم على إرسال أبنائهم عبر التكاتك، فهم بين سندان بعد المسافة التي لا يمكن للطفل قطعها مشيًا على الأقدام، ومطرقة الوضع المادي الصعب.

ورغم أن الوضع يختلف مع هاني الهمص (33 عامًا) والذي يعمل موظفا حكوميا ويتلقى راتب بشكل منتظم، إلا أن الميزة التي شجعته لإرسال أبنائه هي نظام الدفع المؤجل، إذ يعطي لصاحب التكتك أجرته مع كل راتب.

انعدام الرقابة

بدورها http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png زارت سائقي التكاتك لتنقل الجزء الآخر من المشهد في مكان أشبه ما يكون بمحطة انتظار رسمية على أبواب مدرستين متجاورتين وسط رفح.

زياد محمد (32 عامًا) يعمل على نقل أطفال المدارس منذ سنتين، باع مصاغ زوجته واقتنى تكتك ليصبح مصدرًا للقمة عيش العائلة المكونة من 7 أفراد، تحدث لـ"الرسالة" قائلا أن ما دفعه للعمل هو عدم توفر فرصة أخرى.

وحول إجراءات السلامة يقول زياد إنه يغلف العربة بالنايلون "شادر"، ويضيف أنه يسمح لـ12 طالبا فقط بالركوب، في حين لا تتسع مساحة الصندوق الخلفي للتكتك سوى لـ5 أشخاص فضلا عن أنه لا يحوي مقاعد، فيما لاحظ معد التحقيق خلال جولة في الأيام التالية أن عدد الطلاب فاق الـ 17.

خلال الحديث مع سائق التكتك زياد، سألته http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png  حول حيازته لرخصة قيادة، فأجاب -مستهترا- بالنفي، مؤكدا أن أغلب السائقين لا يملكون رخصة قيادة، ليضع بإجابته تساؤلًا خطيرًا، حول كيفية عملهم في نقل الأطفال دونما أي رخصة تؤهلهم لقيادة هذه المركبة!

حمولة التكتك الواحد تزيد عن 15 راكب من الأطفال

ويعتمد أصحاب التكاتك على بعض الميزات في جذب الركاب إليهم، منها نقل الطلاب بنظام الدفع المؤجل، وتدوير بعض الأغاني الشعبية للطلبة لترغيبهم أكثر بالركوب بها، وعدا عن تخصيص أماكن تسمى "اسبشل" لبعض الطلبة كالجلوس بجوار السائق أو على حافة التكتك من الخلف فيما تتدلى أقدام الجالسين خارج حدود التكتك.

معد التحقيق وأثناء قيامه بجولة ميدانية على بوابات المدارس في مدينة رفح للوقف على خطورة الوضع، لاحظ عدم تقيد السائقين بإجراءات السلامة، ومن ضمن المشاهد التي رصدها ووثقتها عدسة "الرسالة" أن بعض الطلاب يصعدون فوق الغطاء "الشادر" للتكتك، فيما يحترف

البعض الآخر الجلوس على الجزء الخارجي للتكتك، مما يعرضهم للسقوط في أي لحظة، عدا عن القيادة بسرعة من قبل بعض السائقين متجاهلين حجم الحمولة المتمثلة بعدد الطلاب.

وفي نقطة خطر أخرى، لاحظت http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png  عدم وجود مرآة مناسبة يستطيع سائق التكتك النظر من خلالها لجانبي الطريق، وإن وجدت فإن الطلاب الواقفين بجوار السائق يحجبون النظر عبرها، مما قد يتسبب بحوادث خصوصًا على المفترقات.

سائقٌ آخر طاعنٌ في السن ذو لحية بيضاء اكتفى بتعريف نفسه بأبو محمد كان يمسك بيده ورقة تحصي زبائنه من الطلاب ليتأكد من وجودهم قبل الانطلاق، وقال "للرسالة": "امنحني عملا كريما لأترك هذه المشقة التي أتكبدها يوميا وخاصة لرجل في مثل سني".

تشير الوقائع على الأرض أنه لا يوجد دور لوزارة النقل والمواصلات عبر دوريات السلامة على الطرق وهو ما أكدته الوزارة

ويشار إلى أن التكاتك تستخدم في مدينة رفح لنقل الطلاب من المناطق الشرقية من المدينة والتي تمثل ثقلا سكانيا إلى المدارس التي تبعد مئات الأمتار ما يجعل المشي على الأقدام صعبا خصوصا في وقت الصباح.

http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png وخلال تجولها بالمدينة رصدت قرابة 50 تكتكًا موزعة على عشر مدارس في أنحاء متفرقة من رفح.

في انتظار الكارثة

"الرسالة" حملت المشكلة ووضعتها على طاولة البحث مع مدير جهاز المرور في الشرطة الفلسطينية برفح عمران أبو هاشم والذي تحدث لـ"الرسالة" عن عدم وجود حملات في الوقت الحالي لوقف هذه التكاتك عن العمل، عازيًا ذلك لصعوبة الأوضاع الاقتصادية على الأهالي وأصحاب التكاتك في ظل الحصار على غزة.

والخطير في حديث أبو هاشم هو عدم قيام الجهاز بأي حملات توعية أو إرشادات للسلامة خلال النقل بها طيلة السنوات الماضية، والسبب في ذلك من وجهة نظره أن حملات التوعية ستمنح سائقي هذه التكاتك قانونية لما يقومون به، وهو ما يعني أن مدير جهاز المرور يقر بأن ما يجري بحق طلاب المدارس مخالف للقانون.

ويبدو أن شرطة المرور تنتظر وقوع حوادث وكوارث لإيقاف العمل بالتكاتك وهو الأمر الذي أكده أبو هاشم قائلا: عند وقوع الحوادث سنمنع عملها بشكل تام.

مسؤول قسم الحوادث في شرطة المرور قال لـhttp://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png : إن أعدادًا من الحوادث تقع في المدينة، دون علم الشرطة لأن القضية تُسوى بشكل ودّي بعيدًا عن تدخل الشرطة.

وبحسب أبو هاشم فإن نسبة الحوادث التي تحل بشكل ودّي للتي تحل عبر الشرطة والقانون تبلغ 4 : 1.

مدير جهاز المرور، أكد انه لا يستطيع وقف عمل هذه التكاتك لحاجة الطرفين لها، إلا أنه أبدى استعدادًا للتحرك ضدها إذا استطاعت مؤسسات المجتمع المدني أو وكالة الغوث إيجاد بدائل مناسبة لنقل الطلبة بما لا يعيق مسيرتهم التعليمية.

شرطة المرور أكدت أنها ستمنع عمل التكاتك بشكل تام في حال وقوع حوادث

وتشير الوقائع على الأرض أن دوريات المرور ليست الوحيدة الغائبة في الرقابة عن التكاتك في محافظة رفح بل إنه لا يوجد دور لوزارة النقل والمواصلات عبر دوريات السلامة على الطرق، رغم أن http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png  لاحظت أن تلك الدوريات تنشط بشكل مكثف بمدن أخرى، وفي مدينة غزة على وجه الخصوص.

وعن دور وزارة النقل والمواصلات، قال حسن عكاشة مدير هيئة السلامة على الطرق، إن عمل التكاتك في نقل الطلاب مخالف للقانون، فيما تقع مسؤولية مخالفتهم على شرطة المرور.

وأوضح عكاشة أن دور الهيئة يقتصر على التوجيه والإرشاد وهذا ما قامت بها فعلاً في عدد من المدارس وفق قوله.

ومن جهة أخرى، أكد عكاشة ما لاحظته http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png من عدم وجود دوريات السلامة على الطرق في مدينة رفح، معللًا ذلك بقلة عدد السيارات لديهم وعدم توفر الإمكانيات اللازمة.

بدورنا، توجهنا لرئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان لسؤاله عن إمكانية تجديد مشروع كانت بلديته قد نفذته خلال الأعوام الماضية لمساعدة الطلبة في الوصول إلى مدارسهم في المناطق الغربية لمدينة رفح من خلال تسيير باصات، إلا أن رضوان قال إن البلدية تعاني ضائقة مالية لا تمكنها من المساهمة بتاتًا في نقل الطلاب.

لا دور للوكالة

الأهالي من جانبهم تساءلوا عن دور وكالة الغوث في حل إشكالية وصول الطلاب للمدارس البعيدة، مطالبين بتوفير عدد من الحافلات التابعة لها لنقل أبنائهم.

بدورنا، حملنا تلك المطالبة للمستشار الإعلامي لوكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عدنان أبو حسنة الذي أكد بشكل قاطع عدم إمكانية تدخل الوكالة في نقل الطلاب في أي منطقة من قطاع غزة، لأنها من وجهة نظره من مسؤولية الأهالي فقط ولا علاقة للوكالة بها.

وحول إمكانية نقل الطلاب أسوةً بعدد كبير من المعلمين التابعين للوكالة الذين يتم نقلهم لأماكن عملهم برر أبو حسنة استحالة المساهمة في نقل الطلاب، بالظروف المالية الصعبة للوكالة، معتبرا أنها مسؤولية جديدة ستكون على عاتق الوكالة حال قيامها بتنفيذ مشاريع نقل للطلاب.

وبالنظر إلى مجريات التحقيق والذي أثبت تنصل كافة الجهات من المسؤولية يبدو أن التكاتك ستبقى نذيرا لوقوع كارثة حتى إشعار آخر.

غير أن من الحلول التي تقترحها http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png توفير حافلات كبيرة لنقل الطلاب على أن تقوم الحكومة بإلغاء ضرائب المكوس والتراخيص عنها، ليصبح النقل مدعوما من الحكومة كما يجري في بعض البلدان العربية المجاورة.

http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png ومن خلال تحقيقها حاولت دق ناقوس الخطر قبل وقوع ما لا تحمد عقباه، خاصة في ظل ما تم توضيحه بالصور والوقائع على الأرض من انعدام لوسائل السلامة والأمان، لذا يتوجب على المعنيين النظر للقضية ومحاولة إيجاد حلول لها قبل أن "يقع الفأس بالرأس".

البث المباشر