قائمة الموقع

شعث: أغلقت نوافذ السياسة لأتجنّب ريحها

2015-02-19T17:00:50+02:00
IMG_5101
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

أصاب ذلك الصغير الإعياء في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، فنقلته أمه إلى الطبيب الألماني (جيميلين/jemalin) ليشرف على علاجه، وقد شفى الله الطفل على يد الطبيب الذي أبرز مهارةً في العلاج، فترسخ الاسم في ذاكرة الأم العجوز، حتى طلبت من ابنتها تسمية صغيرها بهذا الاسم، أملًا بأن يصبح طبيبًا مثله.

ومع الوقت جاء ابنتها المخاض وأنجبت غلامًا، فأسمته (كمالين شعث) ظنًا منها أنّ مخارج الحروف صحيحة.

تلك العجوز التي أعطت الطفل اسم الطبيب الذي عالج ابنها، رغبت أن يكون مستقبله كـ"جيميلين" لكنّه اختار لنفسه طريقا آخر فدرس الهندسة، وأكمل تعليمه حتى بات يحمل شهادة الدكتوراه فيها، وأوصلته خبرته واجتهاده إلى مكتب رئاسة الجامعة الإسلامية لعشر سنوات متواصلة.

    شهدت تعليقات كثيرة على اسمي وأتقبلها بروحٍ رياضية

وفي غمار الحديث عن اسمه يقول ضيفنا "شهدت تعليقات كثيرة على اسمي، وكنت آخذها بروحٍ رياضية، منها بالمدرسة حينما كان يناديني المدرس معتقدًا أنني فتاة، ومواقف أخرى لها جوهرها، فعندما أقابل أشخاصًا تذهب أسماؤهم سدى بيد أنهم يستحضرون اسمي لأنّه يبقى عالقًا في الذاكرة".

داخل أروقة الجامعة الإسلامية بغزة، التي يرأسها شعث، يجلس خلف مكتبه في مبنى الإدارة الذي قصفته (إسرائيل) خلال الحرب الأخيرة على غزة (2014)، ويبقى بين قراراتٍ جامعية، وأعباءٍ إدارية، وتصفح مواقع اخبارية، من الثامنة صباحًا حتى السابعة مساءً من كل يوم.

ومن بين ضجة الحياة الجامعية وأعبائها، اصطحبنا الدكتور كمالين إلى دهاليز الذاكرة، ليطلعنا على محطات حياته منذ النشأة حتى إجراء الحوار.

في عام 1951، ولد كمالين لأسرة غزية متوسطة الدخل، والده يعمل مدير عام التلفونات بغزة، وهيّأت العائلة للطفل في حينه الظروف ليصبح ناجحًا ومتفوقاً.

ويقول " دخلت المدرسة عام 1957، وكنت دومًا أحصل على ترتيب الأول، ولم أقبل أن أكون الثاني، لأن عرف عائلتي لا يسمح أن أصبح الثاني".

تخطى "الفتى" أحد عشر عامًا دراسيًا وترتيبه الأول على فصله، حتى بدأت نكسة حزيران عام 1967، فانتقل على إثرها إلى الدراسة بالكويت، لعدم انتظامها في غزة.

ويتابع شعث "وصلت أروقة المدرسة قبل بداية إجازة نصف السنة بيومين، وانخرطت في مدارس منظمة التحرير لدراسة الثانوية العامة، وأصبحت أعوّض ما فاتني بعد الظهر، وأنهيت التوجيهي بنصف عام في ظل منهجٍ مختلف تمامًا عن الفلسطيني".

خاض الطالب التحدي، وتخرّج بمجموعٍ يؤهله لاختيار التخصص الجامعي الذي يحب، فقد حصل على (87.2%)، وكان ترتيبه الـ(13) على دولة الكويت في الثانوية العامة، فقرر أن يدرس الهندسة.

الرحّالة شعث

سافر كمالين من الكويت إلى جمهورية مصر العربية لتلقّي علوم الهندسة من جامعاتها، وبعد قضاء خمس سنواتٍ في التعليم الجامعي، عادَ لغزة حاملًا شهادته عام (1974)، وفور تخرجه أيقن أنه لا وجود للهندسة في غزة مقارنة بدراسته عن أحسن المنشآت.

لم يستسلم شعث لأوضاع مدينته المحتلة واستطاع الحصول على "فيزا" إلى دولة الإمارات العربية، ليحصل على خبرة عملية في مجال دراسته، فيقول "التحقت بإحدى الشركات، وعملت لثماني سنواتٍ في الشركات الهندسية".

ولم يكتف كمالين بالعمل وأصر على إكمال مسيرته الدراسية، فقد استطاع الحصول على منحةٍ لدراسة الماجستير بإدارة المشاريع الهندسية بإحدى الجامعات الأمريكية، وعلى اثرها قدّم استقالته من شركته بالإمارات.

وبعد عامين من الدراسة (1984) عادَ لغزة، ولم تكن الجامعة الإسلامية قد فتحت أبوابها لتخصص الهندسة في ذلك الوقت، وتقدّم للعمل في جامعة النجاح وجرت الموافقة، واستمر مدرسًا فيها لمدة أحد عشر عامًا، وكان الوحيد في فلسطين المتخصص في إدارة المشاريع الهندسية".

وبعد أعوامٍ من التعليم في جامعة النجاح، سنحت له الفرصة لإكمال دراساته العليا في بريطانيا، فحصل على درجة الدكتوراه عام (1994)، وحينها تقدم للجامعة الإسلامية، وفور استلامه وظيفة دكتور بها، جرى تعيينه نائب عميد كلية الهندسة.

ويستذكر تلك اللحظات بالقول "جئت إلى الاسلامية ومعي خبرة 11 عام من النجاح، وكنت أكثر الموجودين خبرة، وبالتالي جرى تعييني، وسنحت لي الفرصة للحصول على ماجستير آخر في التطوير الإداري من إسبانيا، وبعد عامين عُينت نائب رئيس الجامعة للتخطيط والتطوير".

الجامعة الإسلامية

استلام شعث لهذا المنصب أعطاه دافعًا لتطوير العمل الجامعي، ما هيأ له الظروف ليكون نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، المنصب الثاني بعد رئيس الجامعة.

    لم أطمح لمنصب رئيس الجامعة وأكره أن أكون المسئول عن كل شيء

ويتحدث شعث عن وصوله لمنصب رئيس الجامعة بالقول "عندما أصبح منصب رئيس الجامعة شاغرًا، جرى اختياري من مجلس الأمناء، لأتقلد هذا المنصب عام (2005)، وعندما كنت نائبًا لم أرغب في منصب رئيس الجامعة، ولو صح لي ذلك لما قبلت، فلا أحب أن أكون المسؤول المباشر عن أي شيء".

سعى شعث طيلة عمله بالجامعة الإسلامية -10 سنوات- أن تكون صرحًا حاضنًا لجميع الجهود، لاختزال الزمن في إيجاد موقعٍ مناسب للفلسطينيين أمام الدول الأخرى، وقال "لو تضافرت الجهود ستكون الإسلامية منافسًا دوليًا وذات موقعٍ عالميٍ في وقت قصير".

وعن سؤالنا له: هل تقبل الخوض في المجال السياسي؟ أجاب "أغلق نوافذي على هذا الجانب، ولا أسمح بإهدار طاقتي وقدرتي بعملٍ لا ناقة لي فيه ولا جمل لأتجنّب ريحها، فالعمل السياسي لا يتناسب مع شخصيتي، وهذا غير وارد".

وبعمر الـ64 ينهي شعث رئاسته للجامعة الإسلامية نهاية الفصل الدراسي الجاري، ليخلفه آخر يرشحه مجلس الأمناء، وعن ذلك يقول الدكتور كمالين " مكثت 10 سنوات رئيسا للجامعة، ويجب أن يحصل آخر على فرصة لإعطاء جهده في سبيل تطويرها، فقد أعطيت معظم ما عندي.. وإن جددوا لي مرة أخرى وكان لدي مجال للرفض سأرفض، وسأعود لأكمل ما بدأت من تعليم الطلبة".

وفي نهاية حديثه، يرسل الدكتور كمالين شعث رسالة يلخص فيها نتاج تجربته بالقول "كن دائمًا جدّيا في تناول أمور الحياة، وعليك أن تعمل ما تستطيع وتبذل الكثير من الجهد، والتوفيق من الله".

اخبار ذات صلة