غزة- عدنان نصر
ما أن يشرع حارس بوابة قسم الولادة في مستشفى الشفاء بتطبيق التعليمات لإنهاء زيارة المرضى حتى تعلو قسمات الزائرين تعابير مختلطة ، تزيدها سخونة شهر تموز انفعالا، أو سعادة بالغة.
فالاستراحة التي أعدت لانتظار الزائرين تبدو شاغرة رغم الكراسي الخاوية التي تتسع لـ50 مواطنا يفضلون الانتظار أمام البوابة لمحادثة نسائهم أو قريباتهم عبر القضبان الحديدية.
الأمهات سابقن الريح خوفا على بناتهن وصلن غرفة الاستعلامات؛ لإصدار تذكرة دخول لم يستطعن الحصول عليها، بسبب انفعالهن الزائد وعدم اصطحاب الأوراق الثبوتية اللازمة، فخيم عليهم الوجوم والتوتر بعد جهود فاشلة مع موظف الاستعلامات.
تجمهر الزائرون أحيانا يصيب الحارس بالضجر عند محاولة أحدهم تكسير اللوائح والدخول لرؤية "ولي عهده المقبل"، أو الاطمئنان على زوجته، وغالبا ما يحتدم نقاش حاد بينهما ينتهي بامتعاض الزوج، أو زهو حارس البوابة لانتصار تعليماته الرسمية.
استفسارات الزائرين عن الأوضاع الصحية لزوجاتهم وأطفالهم تتداخل فيما بينها من خلال شباك ضيق ، ما يدفع بعضهم إلى الصياح، فيما ينأى الآخرون بعيدا للاطمئنان بهواتفهم المحمولة التي تعجز أيضا في حجب الصياح عن مسامعهم.
في المقابل الأفضل حالا من يحظى بصداقة الممرضات اللواتي ينقلن إليه الأخبار العاجلة عما يدور في غرفة العمليات ، الأمر الذي يحد من وتيرة قلقهم ومخاوفهم.
الوجوه المنفعلة المرافقة لذوي الحمل الخطر تشبه خلية نحل في خطوات إجراءها الفحوصات اللازمة لنسائهم في بنك الدم ، والتي من الممكن تكرارها مرات عديدة في ظل ظهيرة حارة.
يعود بعضهم كلمح البصر حاملا نتائجه بيمينه، في حين يبقى البعض يعد الثواني قبل الدقائق أمام مبنى البنك لنتائجه التي تستغرق وقتا طويلا، ويمكن الحصول عليها بخلاف ذلك إذا كان ذا حظ كبير، أو لديه صلة وطيدة بطيب ما.
سيارات الإسعاف والأطقم الطبية لا تتردد في إطلاق بوقها عند نقل امرأة أثخنتها الجراح بعد عملية قيصرية، وتحويلها إلى قسم العناية المركزة في المستشفى بعيدا عن رضيعها رغم قصر المسافة بين القسمين.
بعض الأزواج لم يحتمل المكوث مع زوجته التي لم يحدد موعد ولادتها ، فحزم أمتعتها وعاد إلى المنزل ريثما تحين ساعة الصفر.
الانتظار الطويل الذي ألهب الرؤوس دفع البعض لتأمل عقارب ساعته كثيرا ، والنظر إلى مواعيد الزيارة المنتشرة على لوحات ملونة في أكثر من مكان على بوابة القسم تارة أخرى، في حين غرق الآخرون بأحاديث منفردة.
وتطفو على سطح الصالة المكسوة بالقرميد الأحمر لهجات متعددة لمناحي قطاع غزة المحاصر، فقسم الولادة في غزة يعتبر الحاضن الكبير لتوليد الحوامل الغزيات في جميع المحافظات .
يقطع لحظات الملل باعة متجولون في رواق الصالة تصدح ألسنتهم لترويج مبيعاتهم الخفيفة فتصيب الزائرين بالنفور من طريقة عرضهم التي تقطع خلوتهم أو أحاديثهم بين الفينة والأخرى.
يقلب تلك المشاهد صوت أنثوي لسيدة عشرينية سمراء اعتلت الطابق الثاني المطل على صالة الانتظار لتخبر والدها الخمسيني بأن فاطمة أنجبت طفلة جميلة، فيطير الجد من الفرحة، ويرسل من يشتري الحلوى وتوزيعها لتلك البشرى السارة، وفي الوجه الآخر من الصورة هناك من يقطب حاجبيه عند قدوم الطفلة بحسب بعض العادات القديمة التي كانت سائدة
وبحسب وزارة الصحة فإن قطاع غزة يستقبل سنويا مولود أي ما يعادل 3000 – 4000 طفل شهريا ، حيث سجل شهر يناير أعلى معدلات ولادة طبيعية قياساً بالأشهر والسنوات السابقة.
قبل أن يغطس قرص الشمس الأحمر في مياه البحر القريب من المستشفى، تنفرج أسارير الزائرين، مع فتح الباب على مصراعيه، ليطلق كل منهم ساقيه للريح إلى غرفة زوجته واحتضان طفله وسط مشاعر جياشة.
ويشرع الجميع في حمل الأطعمة من المطاعم المجاورة، وتوزيع الإكراميات على بعض الممرضات اللواتي رافقن الزوجة، والحلوى على المهنئين، ويعود الآخرون وملامح القلق تطفو على وجوههم فكربتهم لم تنفرج بعد.