لم يعد بإمكان الفلسطينيين تحمُّل "سخافات" الإعلام المصري بعد أن تعدت حملته في "شيطنة" قطاع غزة إلى حد التحريض على ضربه عسكريا على غرار مدينة "درنة" الليبية، وهو ما يفسر الهدف من إشاعة تلك الوسائل "الكاذبة" مؤخرا، أخبارا عن اختراق مسلحين من حدود غزة الجنوبية إلى مناطق سيناء، خاصة وأن مرات سابقة جرى فيها اختلاق ادعاءات بمشاركة فلسطينيين في عمليات ضد أهداف مصرية.
وهاجم موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الإعلام المصري، في تدوينة له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قائلا "لا أدري لمَ يحرص الإعلام المصري على زج اسم حماس في كل شاردة وواردة؟ ومن ورائه يأتي من يرفع قضايا قانونية بناء على هذا الترويج الإعلامي".
وتساءل أبو مرزوق: "هل يكون كل هذا تمهيدا لضرب غزة كما روج وتمنى بعض الإعلاميين المصريين، مؤخرا؟ أم هو تمهيد لوضع الحركة على قائمة الإرهاب كما هو مرفوع بالمستندات المدلسة؟".
محاذير مقابلها استبعاد
ورغم أن الكاتب والمحلل السياسي يوسف رزقة، عبر عن تمنياته ألا تصل الأمور بالنظام الحالي في مصر إلى حد التلويح بضرب قطاع غزة بعد أن شهدت الحالة تراجعا وتدهورا ملحوظا، إلا أنه تحدث عن محاذير غير مسبوقة في الإعلام المصري يجب التنبه لها وأخذها على مجمل الجد.
وذكر رزقة لـ أن الشعب الفلسطيني على الدوام لا يقبل أن يكون مجرد جزء من تفكيره بأنه يمكن أن تعتدي عليه الشقيقة مصر، مستندا في ذلك إلى أن قضية فلسطين وحصار غزة هي قضية الأمة العربية والإسلامية مهما اختلفت أو اتفقت حولها في الآراء .
ووصف رزقة مواصلة التحريض الإعلامي المصري وادعاء بعض الإعلاميين بـ"الجنون" وبأن "قرار ضرب غزة بعد ضرب ليبيا قد تم اتخاذه وأن المسألة مسألة وقت"، لافتا إلى أن هذا الإعلام صار يتوقع مالا يمكن أن يتوقعه العقل البشري، وعليه فإن غزة التي تتابع كل ذلك "ينبغي أن تكون حذرة "، على حد تعبيره.
من ناحيته، فإن الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل يرى في الوقوف على تهديد غزة عسكريا "إفراط في التحليلات والتكهنات"، مفترضا أنه إذا كان الإعلام المصري يبالغ في "شيطنة" قطاع غزة وحركة حماس فإن صاحب القرار السياسي في مصر يعرف الحقائق بأنه ليس هناك ما يستدعي القيام بعمل عسكري في غزة.
وعبر عوكل لـ عن اعتقاده بأن التعاطي مع فرضية ضرب القطاع من قبل مصر "مجرد تكهنات متشائمة وعمليات تهويل أحيانا تسئ للطرفين"، وقال "هذا أمر محظور على مصر أو أي دولة عربية كانت مكانها أن ترفع السلاح في وجه الفلسطينيين بغض النظر عن مستوى وحجم الخلاف".
وكمن سبقه، فقد استبعد الكاتب والمحلل السياسي عصام شاور، أن يقوم النظام المصري بضرب قطاع غزة، مشيرا إلى ما قال عنه أمر يجب تداركه "بأن الإعلام المصري منفصل في كثير من الأحيان عن المستوى السياسي!".
وفسر شاور لـ وجهة نظره السابقة، بأن الإعلام المصري في واد والمستوى السياسي هناك في واد آخر، مستدلا في ذلك إلى أن السياسيين في مصر لا يعلقون كثيرا على ما يروجه اعلامهم، على حد تعبيره.
وقال شاور" مسألة ضرب غزة خطيرة جدا على مستوى الوطن العربي والإسلامي، وهذا موقف من غير الممكن أن يكون مُوافقا عليه شعبيا ولا رسميا لدى الأنظمة العربية بعض النظر عن موقفها من القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني".
كما استبعد شاور أن تكون المواقف مشابهة في حالة ضرب النظام المصري لليبيا وبين التفكير في ضرب غزة، مبينا أن التدخل المصري في ليبيا قوبل بالرفض العربي والأوروبي فما بالنا بفلسطين وغزة التي عليها إجماع بأن قضية العرب والأمة؟.
"فتح" تحرض على غزة!
وحول موقف حركة فتح والسلطة برام الله من حجم التهديدات التي تُوجه لغزة من قبل الإعلام المصري، فقد اعتبره رزقة موقف "مخزِ ولا يُعول عليه"، منبها إلى أن الموقف برمته لرئيس السلطة محمود عباس "غير وطني"، حيث اعتاد الأخير التحريض على غزة ومقاومتها أثناء تواجده في مصر من خلال لقاءاته المتكررة مع ذات القنوات المصرية التي تمارس عملية التضليل والتحريض تلك.
ولفت رزقة إلى أن ناطقين باسم فتح مثل أحمد عساف كانوا أشد في تصريحاتهم السيئة والوقحة ضد قطاع غزة من توفيق عكاشة وأحمد موسى وأمثالهم من الإعلاميين في مصر، داعيا حركة حماس وغيرها من الفصائل الوطنية أن لا تركن إلى الموقف الذي يمثله عباس في معالجة العلاقة مع مصر وأن عليها أن تعالج علاقاتها الثنائية مع النظام المصري مباشرة وعبر قنوات غير قنوات رئيس السلطة الذي هو جزء من المنظومة التي تحرض على غزة.
بينما أرجع عوكل وقوف فصيل فلسطيني مثل فتح بجانب أية إجراءات مصرية ضد قطاع غزة إلى الانقسام ووجود شكل من أشكال الصراع بين برنامجين وتيارين في الساحة الفلسطينية، مفسرا ذلك بأن التيارين-حماس وفتح- لهما امتدادات على المستوى العربي والإقليمي وبالتالي إذا كانت حماس تحظى بقبول أحزاب ودول عربية ولديها استعداد أن تتعاون معها فأيضا فتح والسلطة جزء من الحالة العربية ولديها علاقات ومصالح ولديها استعداد للتعاون من هذه الأطراف والمصالح.
أما شاور فقد أعرب عن أسفه لتعاطي الإعلام الفلسطيني مع الأكاذيب بحق غزة وأهلها وترويجه لشائعات الإعلام المصري بسبب اعتبارات فصائلية بحتة، لافتا إلى أن وسائل إعلام تابعة لفتح تتناقل كل الأخبار الكاذبة وتنشرها دون التحقق من صحتها أو مجرد التغاضى عنها.
مدى استفادة (إسرائيل)
وفيما يتعلق بنظرة (إسرائيل) إلى توتر علاقة مصر مع غزة، فقد فأوضح رزقة أن (إسرائيل) تعتبر أكبر إنجاز حققته في عملية ما يسمى "الجرف الصامد" على القطاع بأنها استطاعت أن تصل إلى توافق اقليمي مع دول عربية معتدلة ذكرتهم مصادر صحفية عبرية بالاسم مثل مصر والسعودية والإمارات والأردن، لافتا إلى أن هذا التحالف الإقليمي غير مسبوق ويتجه إلى إعطاء (إسرائيل) شرعية لاقتلاع المقاومة وتدمير قطاع غزة .
وأضاف "اسرائيل تفتخر بهذا التعاون وهي ترى أن الجانب المصري يقوم بحصار غزة بشكل مشدد أكثر مما تطلبه".
غير أن عوكل ذكر بأن (إسرائيل) تعتبر حركة حماس ومنظمات المقاومة "الفزاعة" التي دائما تريد استخدامها في ارتكاب العدوان وتعميق الانقسام ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني وتحريض الفلسطينيين على بعضهم البعض والفلسطينيين على العرب والعكس.
إلى ذلك فقد اعتبر شاور أن لـ(إسرائيل) مستفيدة من تشويه غزة وحماس بالرغم من أن أوروبا تتراجع عن اعتبار الأخيرة منظمة إرهابية، منبها إلى أن هذا -التراجع الأوروبي- دليل على أن أوروبا لا تتأثر بالإعلام المصري وخاصة أن النظام المصري انكشفت سوأته أمام الغرب بأنه ليس على قدر ومستوى المسئولية سواء في القضاء أو الإعلام أو النظام السياسي وآخرها ما اعتبروه حول ضرب ليبيا بأنه خدم داعش ولم يخدم الحرب ضدها.