ما تزال حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في وجه العاصفة، تحاصرها التحديات من كل جانب، خاصة في ظل المتغيرات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، وتأثيرها المباشر على مستقبل القضية الفلسطينية والمقاومة على وجه التحديد.
هذا التحدي دعا للبحث أكثر في تفاصيل المرحلة الراهنة وأهم تعقيدات ملفاتها السياسية مع رئيس الدائرة السياسية للحركة جمال عيسى الذي يقيم في قطر.
في مستهل حديثه، كشف عيسى لـ عن جملة من الاتصالات والجهود الإقليمية بغرض ترميم العلاقة مع مصر، مشيرًا إلى وجود تقدم في العلاقة مع أطراف إقليمية أخرى كالسعودية وإيران، أمّا فيما يتعلق بالشأن الداخلي فأكد وجود مؤامرة ضد المقاومة من بينها تعمد تأخير الاعمار وتعطيل ملف المصالحة.
وفيما يلي نص الحوار :
س1: بداية كيف تنظر حماس الى تأخير الإعمار وفتح المعابر، وهل تعتقد أن السلطة متورطة في هذه المسألة؟
ج1: استطاعت المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس أن تواجه عدواناً صهيونياً لأكثر من خمسين يوماً، وخلال هذه المعركة تعرض الجيش الصهيوني ومرافقه الحيوية والمستوطنات لضربات مباشرة من المقاومة وكان لالتفاف شعبنا الفلسطيني في غزة دور مؤثر في صمود المقاومة وانتصارها، وهو ما دفع العدو لأن ينال من البنية التحتية لقطاع غزة عبر عمليات التدمير الممنهجة وما خلفه من حالة دمار غير مسبوق. ولم تتوقف المعركة إلا بعد موافقة العدو على شروط فلسطينية تتضمن فتح المعابر وإعادة الإعمار.. إلخ.
يحاول العدو من خلال تهربه من هذه الاستحقاقات أن يصنع بيئة متذمرة وساخطة شعبياً من خلال إبقاء حالة الحصار ومنع الإعمار والإغاثة والايواء، متوقعاً أن يؤدي ذلك إلى فك الارتباط بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، إلا أن وعي شعبنا وثقته بالمقاومة وإدراكه لإنجازاتها في حماية الشعب، وإدراكه للجرائم التي يرتكبها العدو بإدامة الحصار ومنع الإعمار، فإن غضب شعبنا يتجه نحو العدو، ويهيئ الأجواء بتوجيه الانفجار نحوه ونحو كل من يتورط في حصار الشعب.
من هذا المنطلق يفترض من كل القوى الفلسطينية أن تصطف إلى جانب شعبها. ولا شك أن المواقف التي اتخذتها السلطة في رام الله وحكومة الوفاق الوطني لا ترقى إلى المستوى الوطني الذي يستحقه شعبنا في غزة، وهي مواقف محسوبة على حركة فتح وتنال من رصيدها الوطني التاريخي خاصة حينما تصب مواقف بعض قياداتها بالنتيجة في إحكام الحصار على غزة وإغلاق المعابر ومنع الإعمار.
س2: كيف تقيّم حماس أبعاد المواجهة المقبلة مع الاحتلال، هل ثمة جهود تبذل مع قوى بغرض وضع حد للغة التصعيد في ظل الانتخابات (الإسرائيلية) الراهنة؟
ج2: من طرفنا في حماس لسنا معنيين بالتصعيد ولا بالدخول في حرب جديدة، لكن كما هو معروف فإن شعبنا يواجه احتلالاً صهيونياً متواصلاً لا تتوقف حروبه واعتداءاته علينا، خاصة بعد هزيمته العسكرية في معركة العصف المأكول(..)، وعليه فحركة حماس يقظة أمام أي جولة قادمة سيحاول العدو أن يفرضها على شعبنا للنيل من إرادته واستهداف مقاومته وسلاحه، ومحاولة فرض شروط الاستسلام عليه، وهذا لن يكون بإذن الله.
ومنذ إعلان وقف إطلاق النار التزمت حماس بما عليها وأعطت الفرصة لبذل الجهود الدبلوماسية والسياسية عبر المبعوثين الدوليين للأمم المتحدة، وكذلك عبر عدد من الدول العربية والإسلامية فضلاً عن السلطة الفلسطينية من أجل إلزام العدو بتنفيذ ما عليه من شروط وقف إطلاق النار، فنحن معنيون بتحقيق ما وعدنا به شعبنا من كسر الحصار وإنجاز الإعمار وحل مشكلات غزة بجهود متلاحقة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.
س3: ما هو مصير ملف المفاوضات غير المباشرة، وهل تبحثون عن وسيط آخر يستكمل مباحثات هذا الملف؟
ج3: ملف المفاوضات غير المباشرة لاستكمال موضوعات وقف إطلاق النار مرتبط بالدور المصري كما يعلم الجميع، وكان من المفترض أن تبدأ المفاوضات غير المباشرة بعد شهر من إعلان وقف إطلاق النار... وهذا ما لم يتم حتى الآن.
وبغض النظر عن الأسباب والذرائع فالمحصلة أن ذلك يعطل خطوات رفع الحصار عن غزة وبقية مطالب شعبنا ويزيد من معاناته ومشكلاته، ويسهل على الاحتلال التنصل من مسؤولياته تجاه ملفات رفع الحصار والإعمار وفتح الميناء والمطار، وهو ما يلقي بالمسؤولية على مصر للخروج من هذا المأزق الصهيوني، فهي التي رعت مفاوضات وقف إطلاق النار، ومسؤوليتها أن تتابع ذلك بالضغط على الاحتلال ليفي بالتزاماته والاستحقاقات المطلوبة منه.
س4: ماذا بشأن ملف الأسرى ومباحثاته؟
ج4: التفاوض بشأن الأسرى لم يبدأ بعد، ذلك أن العدو يتبع سياسة المكابرة في التعامل مع هذا الموضوع، لكن المقاومة قادرة بإذن الله على إجبار العدو على الإفراج عن أسرى شعبنا ومعتقليه.
س5: في العلاقة الداخلية ما هو مصير ملفات المصالحة العالقة؟ وهل تعتقدون أن هناك "فيتو" ضد تفعيلها؟، ثم هل هناك من جديد بشأن الاتصالات مع فتح؟
ج5: اختزال البعض لملفات المصالحة بتشكيل حكومة الوفاق الوطني فقط موقف خاطئ، بل ويحاول البعض أن يجعل من ذلك احلالاً واستبدالاً لكل ما قامت به الحكومة التي كانت تديرها حركة حماس في غزة، وكأن المصالحة عند البعض هي أداة الإقصاء السياسي للآخرين وخاصة لحركة بوزن حماس، وليست مصالحة على قاعدة الشراكة من ناحية، وتطبيق جميع ملفات المصالحة رزمة واحدة من ناحية أخرى.
إن ما قدمته حركة حماس من مرونة سياسية من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة عبر ملفاتها الخمسة، لم يقابل من حركة فتح بالمسؤولية الوطنية المنشودة، رغم اتصالاتنا ولقاءاتنا المتعددة معهم، وهذا يفتح الباب للتساؤل عن مدى توفر الإرادة السياسية والجدية لإنجاز المصالحة بصورة متكاملة وعلى قاعدة الشراكة والعمل الوطني المشترك، ومدى تأثر موقفهم بالتدخلات أو الاعتراضات الإقليمية والدولية.
س6: إقليميًا، كيف تنظرون الى طبيعة التهديدات المصرية التي تخرج عبر وسائل الاعلام؟
ج6: تتبنى وسائل الإعلام المصرية هذه الأيام للأسف، عبر خطابها اتجاه القضية الفلسطينية بشكل عام والمقاومة الباسلة وعلى رأسها حركة حماس وذراعها العسكري كتائب عز الدين القسام بشكل خاص، موقفاً عدائيا لا مبرر له ومستهجناً لدى المواطن المصري والعربي فضلاً عن الفلسطيني.
وهذا الخطاب فضلاً عن كونه خروجاً وانقلاباً على الموقف القومي التاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية، فهو يوفر الغطاء السياسي والإعلامي لجرائم الاحتلال واعتداءاته على شعبنا في غزة والقدس والضفة.
وحينما يستخدم الإعلام والقضاء في حملة سياسية ضد المقاومة الفلسطينية ويزيف الحقائق باتجاه تأليب الرأي العام ضد المقاومة ومشروعيتها ويصفها بالإرهاب ويتهمها بالعبث بالأمن القومي المصري، فهو أيضا ينقلب على العقيدة العسكرية للجندي المصري الذي ما يزال يعتبر أن الاحتلال الصهيوني هو الخطر الحقيقي والعدو الحقيقي لجمهورية مصر العربية.
س7: هل ترجح حماس احتمالية أن تشن مصر عدوانًا على غزة؟
ج7: معركة الجيش المصري الحقيقية هي ضد الكيان الصهيوني وليس ضد غزة، لأن هذا الكيان هو العدو الحقيقي لمصر وفلسطين والأمة جميعاً، وغزة فضلاً عن أنها لا تتدخل في الشأن المصري فإنها خط الدفاع الأول عن مصر وأمنها القومي في مواجهة المخاطر الصهيونية، كما أن مصر ومعها أمتنا هي عمقنا في مواجهة العدو الصهيوني.
س8: هل من اتصالات تبذل مع القاهرة، لتفادي حالة التصعيد القائمة؟
ج8: بذلت الحركة في الداخل والخارج وما زالت تبذل جهوداً واتصالات متعددة من أجل احتواء هذا التصعيد غير المبرر، فنحن حريصون أن تكون علاقتنا مع الدول العربية والإسلامية، ومع مصر بصورة خاصة بحكم وزنها في الأمة، علاقة صحية وإيجابية تخدم مصالح الجميع وأمنهم، وتعزز وحدة الموقف العربي والإسلامي تجاه قضية الأمة المركزية: قضية فلسطين.
س9: يدور الحديث عن تقدم بعلاقة حماس مع السعودية، كيف تنظر الى مستقبل العلاقة في ضوء التغيرات القائمة داخل المملكة؟
ج9: العلاقة مع السعودية عميقة وتاريخية، وتحرص الحركة على ذلك بما تمثله السعودية من وزن ومكانة عربياً وإسلامياً ودولياً.
وعليه حرصنا طوال السنوات الماضية على تقدير الدور السعودي اتجاه القضية الفلسطينية، ونثمن جهودها ومواقفها في دعم القضية الفلسطينية بغض النظر عن أي تباينات أو اختلافات في بعض التفاصيل.
ونحن اليوم وفي ظل ما تشهده منطقتنا من تحديات وتهديدات، نعتقد أنه سيكون للمملكة دورٌ أكبر في مجال القضية الفلسطينية وقضية القدس، وهو ما يدفع للتقدير بأن علاقتنا مع المملكة ستكون أفضل بإذن الله.
س10: ما هو جديد علاقتكم مع إيران؟ وما هي فلسفة حماس فيما يتعلق بعلاقتها مع "محور المقاومة"؟
ج10: إيران دولة قوية وذات وزن إقليمي ودولي، وعلاقتنا معها بدأت مبكراً، واستطاعت الحركة أن تؤسس مع إيران لعلاقة مميزة ومتينة على قواعد وأسس محددة وواضحة، ما مكن للحركة أن تستفيد من امكانات إيران المادية والفنية والسياسية في الفترات السابقة لصالح دعم صمود شعبنا ومقاومته للاحتلال.
كان لاختلافنا في الموقف اتجاه الملف السوري أثر سلبي على تلك العلاقة، ولمعالجة ذلك بذلنا جهوداً كبيرة وقمنا بالعديد من الاتصالات واللقاءات قبل معركة العصف المأكول وبعدها.
وفي نهاية عام 2014 تم الاتفاق بين الطرفين على معالجة القضايا ذات الصلة بالعلاقة، وعلى متابعة الاتصالات واللقاءات وشؤون العلاقة المشتركة. ونحن نرى العلاقة مع إيران ومع جميع الدول العربية والإسلامية في إطار استراتيجيتنا لحشد جهود الأمة في مواجهة العدو الصهيوني، وتعزيز صمود شعبنا ودعم مقاومته للاحتلال بكل الوسائل والأشكال.
س11: كيف تقرأ حماس حالة التحالفات الجديدة التي تشكل في المنطقة ولحساب أي محور تحسب نفسها؟ وماذا بشأن علاقتكم مع سوريا الدولة وسط دعوات لترميم هذه العلاقة من اطراف محسوبة على محور المقاومة؟
ج11: مازالت المنطقة في حالة سيولة عالية وتحرك مستمر في خارطة العلاقات والتحالفات.
ونحن لم نكن نضع أنفسنا في الماضي ولا نضع أنفسنا في الحاضر في محور ما أو اصطفاف ما، وإنما كانت سياستنا وما زالت هي الانفتاح على الجميع وإقامة علاقات سياسية مع مختلف الدول بما يعود بالتأييد لشعبنا وقضيتنا ودعم مقاومتنا للاحتلال، والعمل على محاولة حشد طاقات الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، وتزداد علاقتنا مع هذا الطرف أو ذاك بقدر زيادة أو تطور موقفه من قضيتنا ودعمه لصمود شعبنا ومقاومته.
وهذه مناسبة للتذكير بأن حماس في الوقت الذي لا تتدخل فيه في الشؤون الداخلية للآخرين، فإنها تدعو الجميع للتوافق بما يحفظ لدول الأمة وشعوبها قوتها وأمنها واستقرارها ومصالحها، ويؤهلها للقيام بواجباتها الوطنية والقومية والاسلامية تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين.
س12: أخيراً كيف تقرأ حماس خطوة الانضمام لمحكمة الجنايات؟ وكيف ستتعامل الحركة مع ملف القضاء الدولي في ظل الدعوات الإسرائيلية لاعتقال قيادات الحركة امام المحاكم الأوروبية؟
ج12: اقترف العدو في عدوانه على شعبنا الفلسطيني العديد من الجرائم ضد الانسانية، وفي حروبه الأخيرة على قطاع غزة أقدم على جرائم حرب بامتياز، وتم توثيق هذه الجرائم، وكثير من وسائل الاعلام كان يبثها مباشرة الى العالم، وهو ما تسبب له بإدانات واسعة، وتحركت الشوارع في مختلف عواصم العالم ضد سلوكه الاجرامي، وأصبح العديد من قيادات العدو الصهيوني أمام خطر الاعتقال دوليا، كما بدأ الكيان الصهيوني يتعرض لحملة مقاطعة اقتصادية وأكاديمية واسعة خاصة في الغرب، إلى جانب تزايد اعتراف عدد من البرلمانات الدولية بدولة فلسطين.
لقد وضعت المقاومة الفلسطينية إمكاناتها كافة في معركة الدفاع عن شعبها في مواجهة عدوان جيش الاحتلال، وقدمت نموذج البطولة الرائع مع شعبها، وفي المقابل خسر العدو جزءًا مهماً من المعركة الأخلاقية والإعلامية أمام العالم بسبب بشاعة جرائمه بحق شعبنا.
أمام هذه الحالة أصبحت محاكمة قادة العدو الصهيوني أمام المحاكم الدولية ومنها محكمة الجنايات أمراً وارداً بل وضرورياً، ونحن كفلسطينيين معنيون بخوض هذه المعركة القانونية عبر محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنابر حتى النهاية، فهذا حق شعبنا وجزءٌ من معركته العادلة، وعلينا أن نواجهها بشجاعة وذكاء، وألاّ نخشى عواقبها، وسننتصر فيها على العدو بإذن الله كما انتصرنا عليه في الميدان العسكري.