يبدو أن رهانات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن يفضي خطابه أمام الكونغرس في تعزيز مكانة حزبه الليكود عشية الانتخابات مبالغ فيها. فعلى الرغم من أن جميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت بعد الخطاب تدلل على أن أحزاب اليمين بشقيه العلماني والديني ستحصل على أغلبية مطلقة من عدد من المقاعد في البرلمان القادم، إلا أنه لم يحدث أي تغيير على مكانة الليكود نفسه، وهذا ما يقلص من قدرة نتنياهو على المساومة بعد إجراء الانتخابات ويجعله أسير ابتزاز الأحزاب الدينية الحريدية.
لقد كانت المفاجأة أن الأغلبية الساحقة من المعلقين الصهاينة نظرت لخطاب نتنياهو، الذي هدف للتحريض على الاتفاق المتبلور بين إيران والدول العظمى بشأن برنامج طهران النووي، على أنه مس بشكل كبير بإرث العلاقات الإستراتيجية بين (إسرائيل) والولايات المتحدة.
وحرص هؤلاء المعلقين على التأكيد على أن الهدف الرئيس من الخطاب كان محاولة نتنياهو تعزيز مكانته السياسية على الصعيد الداخلي، متهمين نتنياهو بالتسبب في إحداث ضرر هائل للأمن "القومي الإسرائيلي".
فقد ارتأت النخب الصهيونية إن نتنياهو "مس بالذخر الأهم الذي تراهن عليه (إسرائيل) وهو العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. وحسب هذه النخب، فإن كل ما يعني نتنياهو هو تحسين فرصه بالفوز في الانتخابات التي ستنظم بعد أسبوعين، وليس وقف البرنامج النووي الإيراني.
وقد حرصت وسائل الإعلام تقديم معطيات تدلل على مظاهر فشل نتنياهو في إحباط المشروع النووي الإيراني. فقد أشار بعض المعلقين إلى حقيقة أن البرنامج النووي الإيراني تعاظم خلال فترة حكم نتنياهو خمس مرات، مع العلم أن (إسرائيل) أنفقت خلال هذه الفترة حوالي 11 مليار شيكل (3.5 مليار دولار) على عمليات خاصة من أجل إحباط هذا المشروع.
اللافت أكثر أن أحداً في (إسرائيل) لم يصدق نتنياهو عندما هدد بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية. فقد أشار الكثير من المعلقين إلى أن نتنياهو يواظب على توجيه هذه التهديدات منذ خمس سنوات، مع أن كل المؤشرات تدلل على أن خيار العمل العسكري غير اقعي وغير عملي.
ويرى الكثيرون في تل أبيب أن نتنياهو نجح فقط في جعل (إسرائيل) مادة للخلاف السياسي بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، بعد أن كانت محور إجماع داخل الولايات المتحدة.
ففي نظر هؤلاء مس نتنياهو بالعلاقة بين الجالية اليهودية المهمة في الولايات المتحدة من خلال استفزاز الحزب الديموقراطي، مشيرين إلى أن 70% من اليهود في الولايات المتحدة يصوتون لصالح هذا الحزب. لكن نتنياهو يبدو محظوظاً بشكل كبير في الولايات المتحدة في حال قورن بمكانته في (إسرائيل). فقد تبين أن مشاريع القوانين التي يعد لها داخل الكونغرس وتهدف إلى تقليص هامش المناورة المتاح أمام الرئيس أوباما في كل ما يتعلق بالاتفاق مع إيران يتم إعدادها بالتنسيق مع ديوان نتنياهو.
فقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه على الرغم من أن معظم النواب الديموقراطيين قاطعوا خطاب نتنياهو في الكونغرس، إلا أن الكثير منهم وعد دوائر الحكم في تل أبيب بتحويل حياة أوباما إلى جحيم في حال تبين أنه يتجه بالفعل إلى السماح بتوقيع اتفاق بين الدول العظمى وإيران.
فقد أعلن السيناتور بوب منديس، أحد أبرز قادة الديموقراطيين في الكونغرس أنه ينوي تقديم مشروع قانون للكونغرس يدعو إلى أن يسحب من الرئيس أوباما حق الفيتو على أية قرارات يتخذها الكونغرس بشأن فرض عقوبات جديدة على إيران.
وقد شرع منديس في إجراء اتصالات داخل الكونغرس لاستصدار هذا القانون، الذي سيقلص في حال تمريره هامش المناورة بشكل دراماتيكي أمام أوباما في المفاوضات مع طهران، إلى جانب أنه قد يثبت للبيت الأبيض أن هناك كلفة كبيرة لاعتراضه على إلقاء نتنياهو خطابا في الكونغرس.
ويرون في (إسرائيل) أن هناك قيمة كبيرة لأن يكون صاحب هذا المشروع هو تحديداً سيناتور ديموقراطي بارز، حيث يدلل ذلك على أن ردة الفعل الغاضبة لبعض النواب الديموقراطيين كانت موجهة لنظرائهم الجمهوريين الذين يحاولون توظيف الملف النووي الإيراني لتعزيز علاقتهم بالمنظمات اليهودية ذات التأثير الطاغي على الحلبة السياسية الأمريكية.
وعلى ما يبدو أن هناك محاولات من جهات في الحزب الديموقراطي لطمأنة صناع القرار في تل أبيب أن أمن (إسرائيل) لا يمكن أن يكون مادة للخلاف مع الحزب الجمهوري. في الوقت ذاته، فإن الجمهوريين في المقابل قدموا بالفعل مشروع قرار سيقلص هامش المناورة أمام أوباما بشكل كبير. فقد قدم السيناتور الجمهوري بوب كروكر بالفعل مشروع قانون يلزم الرئيس أوباما بعدم التوقيع على أي اتفاق مع إيران في حال لم يحز على موافقة الكونغرس.
قصارى القول، قد لا يفضي خطاب نتنياهو في الكونغرس إلى تعزيز قوة حزبه عشية الانتخابات، إلا أن هناك ما يدلل على أن البيئة السياسية الداخلية الأمريكية تشكل ملعبا لقادة اليمين الصهيوني. وفي حال أحجم أوباما في النهاية عن التوقيع على الاتفاق مع إيران فإن هذا يدلل على صدق رهانات (إسرائيل) في إحباط الاتفاق ولو مؤقتاً.