تعتبر التكلفة المالية لمشاركة المتدينين في الائتلافات الحاكمة في (إسرائيل) هائلة، وهي تمثل إحدى استحقاقات تأثيرهم الكبير على إدارة شؤون الكيان.
وقبل الخوض في غمار هذه القضية يتوجب الإشارة إلى أن قطاعاً كبيراً من الجمهور المتدين، وتحديداً التابع للحريدية الغربية لا يسهم في سوق العمل الإسرائيلي، حيث أن نسبة مشاركة الرجال من التيار الحريدي الغربي في سوق العمل لا تتجاوز الأربعين بالمائة، علاوة على أن الأغلبية الساحقة من أتباع هذا التيار لا يؤدون الخدمة العسكرية، وبالتالي فإن تمويل المؤسسات التي تخدم هؤلاء تتم على حساب دافعي الضرائب.
ونظراً للتداخل الكبير في مصادر التمويل الحكومي التي تستغلها الأحزاب الدينية، وبسبب التداخل في أوجه صرف المخصصات المالية التي يحصل عليها المتدينون، علاوة على تعدد آليات التمويل، فإنه يكاد يكون من المستحيل تقدير التكلفة المالية لمشاركة المتدينين في الائتلافات الحاكمة، وهذا ما عجزت عنه مراكز البحث ووسائل الإعلام الإسرائيلية التي حاولت رصد حجم الموازنات التي خصصت للمستوطنات اليهودية، بحيث إن كل المعطيات المتعلقة بالتكلفة المالية للمستوطنات ظلت تقريبية.
ويتم توجيه الدعم الحكومي للمؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية التابعة للأحزاب الدينية.
فلا يخلو أي اتفاق ائتلافي من بنود تتعلق بتخصيص موازنات للمؤسسات الخاصة التابعة للأحزاب الدينية ولدعم جمهورها، مع العلم أن هذه البنود تستهدف بشكل خاص إضافة مزيد من المكاسب لهذه المؤسسات.
فعلى سبيل المثال ظلت الأحزاب الدينية تمارس ضغوطاً متواصلة على الحكومات المتعاقبة حتى وافقت حكومة إسحاق شامير عام 1988 على تغطية رواتب كل المدرسين الذين يعملون في المؤسسات التعليمية الخاصة التابعة لهذه الأحزاب، على الرغم من أن هذه المدارس غير تابعة لوزارة التعليم ولا تلتزم بتدريس المنهاج الرسمي، علاوة على أن بعض هذه المدارس تحرض طلابها على التمرد على الكيان وقوانينه.
وتبدو مهمة تحديد حجم الأموال التي تحصل عليها هذه المؤسسات مستحيلة لأنها تحصل في كثير من الأحيان على دعم الوزارات المختلفة تحت بنود فضفاضة.
فعلى سبيل المثال يبلغ إجمالي المبلغ المخصص من وزارة المالية لدفع رواتب المعلمين والعاملين في المدارس الدينية بالإضافة إلى متوسط ما يتم تخصيصه لبناء صفوف دراسية في هذه المؤسسات خمسين مليون دولار سنوياً.
لكن هناك مصادر تمويل أخرى فضفاضة توفرها وزارات أخرى. فمثلاً تصر حركة شاس في كل اتفاق ائتلافي على وجوب التزام الحكومة بأن تقوم وزارة العمل والضمان الاجتماعي بتخصيص موازنات لدعم الطلاب الذين يعيشون في مناطق تعاني من ضائقة اقتصادية؛ حيث يبدو لأول وهلة وكأن الحركة تبدي حرصاً على الطلاب الذين ينتمون للطبقات الفقيرة، لكن حقيقة أن الأغلبية الساحقة من جمهور حركة شاس ينتمي إلى هذه الطبقات، يكشف الدوافع الحقيقية للحركة.
وهذا يظهر آليات توظيف المتدينين التمويل الحكومي في مراكمة النفوذ السياسي عبر دعم جماهيرهم الانتخابية.
وعلى سبيل المثال أصرت الأحزاب الدينية على أن تقوم الحكومات المتعاقبة بدعم الأسر كثيرة الأطفال، بحيث تلتزم الدولة بدفع مبلغ مالي لكل طفل يولد، بحيث أنه كلما زاد عدد المواليد كلما ازدادت المخصصات المالية التي تحصل عليها الأسرة.
وللدلالة على ذلك فإن العائلة عندما تنجب الطفل الأول تتلقى مبلغ مائة وسبعين شيكل (45 دولار)، وعندما تنجب الطفل الثاني تحصل على مبلغ إضافي بنفس القيمة، أي تحصل شهرياً على 90 دولار، وإذا أنجبت العائلة أربعة أطفال فإنها تحصل شهرياً لقاء كل طفل 45 دولار، لكن إذا أنجبت العائلة طفلاً خامساً فإن المبلغ المخصص له سيرتفع بشكل كبير حيث تتلقى مبلغ ثمانمائة وستة وخمسين شيكل (مائتان وأربعين دولار)، وهذا ما يحصل عليه كل طفل يولد بعد الطفل الرابع.
ونظراً لأن العائلات المتدينة والحريدية تتسم بأنها عائلات كثيرة الأولاد، فإن الأحزاب الدينية تصر دائماً على عدم المس بمخصصات الأطفال لأن جمهورها الانتخابي هو أكثر المستفيدين من هذا الواقع.
فإذا كان متوسط عدد الولادات في الأسرة المتدينة الحريدية هو ثمانية أطفال فإن متوسط دخل كل عائلة من مخصصات الأطفال فقط يبلغ حوالي 1140 دولارا شهرياً.
وتكلف مخصصات الأطفال خزانة الدولة سنوياً ثمانية مليارات شيكل (ملياران ومائتان وخمسة وعشرون مليون دولار)، مع العلم أن معظم هذه الأموال تذهب لجيوب مائة وخمسين ألف عائلة كثيرة الأولاد معظمها ينتمي للتيار الديني.
ونظراً لأن الأغلبية الساحقة من المتدينين الحريديم لا يتوجهون لسوق العمل فإنهم يحصلون على مخصصات بطالة، حيث أن كلاً من الوالد والوالدة يحصلان على مبلغ 2500 شيكل، وهو ما يعني أن الإثنين يحصلان على مبلغ 5000 شيكل (1400 دولار).