رامي خريس
الخطوات الأخيرة التي قام بها رئيس السلطة المنتهية ولايته محمود عباس تؤشر إلى أن هناك طبخة يجري إعدادها على نار هادئة وتحتاج إلى إعداد مسبق وتحضير أدوات الطبخ كافة من أواني وموقد وغيرها من الأشياء اللازمة.
فبعد أن انتهى عباس من عقد مؤتمر حركته السادس وانتخاب لجنة مركزية جديدة انتقل لإجراء انتخابات أخرى لاختيار أعضاء جدد للجنة التنفيذية للمنظمة ، ويجري الحديث كذلك عن سعيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الضفة الغربية فقط ، ووصل الأمر أخيرا إلى حد الإعلان عن أن مسائل الحوار المختلفة ستوضع كلها جانبا، ليتركز البحث فقط حول إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في مطلع العام المقبل، فإذا واصلت حركة حماس رفض الرضوخ لمطالب الأجندة الخارجية، سترفض أيضا الموافقة على إجراء الانتخابات في القطاع من دون اتفاق سياسي شامل، وتجري الانتخابات آنئذ في الضفة الغربية وحدها.
ويحاول عباس بحسب ما يرى بعض المراقبين أن يوطد أركان سلطته على حركة فتح والمنظمة وجغرافياً على الضفة الغربية أو بالأحرى على مقر المقاطعة في رام الله! ،وذلك فيما يبدو للتحضير لطرح مشروع سياسي جديد غالباً يتعلق بعملية التسوية المتعثرة مع الاحتلال منذ زمن لأن الإسرائيليين لم يعد في جعبتهم ما يعطونه لعباس ، بل ولم يعد لديهم ما يبيضون به وجهه أمام الفلسطينيين الذين ملوا من سماع اسطوانة "السلام" المشروخة.
** تصريحات فياض
ويبدو أن سلام فياض رئيس حكومة عباس في رام الله هو أحد المشاركين الرئيسيين في إعداد "الطبخة" ، وهو ما ذهب إليه عدد من السياسيين الفلسطينيين الذين ربطوا بين خطوات عباس وتصريحات فياض المتتالية حول إقامة دولة في غضون عامين تكون دولة أمر واقع في الإطار الجغرافي الذي تتواجد فيه السلطة الفلسطينية، ولو تحت السيادة الإسرائيلية. وهو ما يعني أمورا عدة أبرزها: أنها دولة حدود مؤقتة (رغم ما يعلنه عباس عن رفض دائم لهذه الفكرة)، وبحسب الكاتب الفلسطيني بلال الحسن فإن تلك الدولة تبنى حسب وجهة النظر المنطلقة من فكرة السلام الاقتصادي التي نادى بها توني بلير، وغوردن براون رئيس وزراء بريطانيا، وبنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال. وتكون النتيجة في النهاية إنشاء دولة الضفة الغربية فقط.
وهكذا يبدو أنه تتم تهيئة الأوضاع على مستوى حركة فتح، وعلى مستوى حكومة فياض ، وعلى مستوى منظمة التحرير الفلسطينية، بما يمكن من العمل والسيطرة داخل إطار الضفة الغربية.
** مفاجآت
ومع كل التحضيرات التي يقوم بها عباس فإن هناك الكثير من الموانع والعقبات التي تقف في طريقه، فضلاً عن الأشياء الطارئة والمفاجئة ولا تكون في حساباته فبحسب المتابعين للأوضاع في الضفة الغربية فإن هناك حالة غضب شعبية ضد كل الإجراءات التي تمت مؤخرا فيها: بدءا من مؤتمر حركة فتح وانتخابات (اللجنة المركزية والمجلس الثوري)، وانتهاء بالاجتماع الطارئ بمن حضر لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، الذي شهد انتخاب ستة أعضاء جدد في اللجنة التنفيذية للمنظمة بدل الأعضاء الستة المتوفين.
إذ بقدر ما أعطت هذه الإجراءات علامة سيطرة شبه مطلقة للرئيس عباس على المؤسسات الفلسطينية القيادية، بلورت هذه الإجراءات نفسها خطة عمل فلسطينية عنوانها(الضفة الغربية)، هي التي تتركز حولها حالة الغضب الشعبية الفلسطينية.
ليس هذا فحسب بل إن هناك من أعضاء القافلة التي يتزعمها عباس بدأوا يتحركون بعكس الاتجاه ويقومون بعرقلة تحركاته وكشفها بعد أن غضبوا لعدم حصولهم على مناصب ومواقع سواءً في المركزية أو عضوية اللجنة التنفيذية.
ومع أن عباس يحاول أن يقوم بنفس دوره الأول في أوسلو إلا أنه هذه المرة قد يكون قد اخطأ في حساباته فليس دائما ينجح تكرار الأحداث في التاريخ.