قائد الطوفان قائد الطوفان

تاريخ من الليونة الأميركيّة و الغموض النووي الإسرائيلي

غزة- الرسالة نت

باستثناء جون كينيدي، الذي حاول عبثاً منع الدولة العبرية من امتلاك السلاح النووي، فإن الحكومات الأميركية المتعاقبة، غطّت على الدوام الموقف الإسرائيلي المندرج تحت «سياسة الغموض النووي». وبقي السلاح النووي الإسرائيلي السرّ الأكثر انكشافاً في العالم، مع صور قاعدة «سدوت ميخا» بعدسات أقمار التجسّس الأميركيّة

 تاريخ النووي الإسرائيلي

على أرض الواقع، عارضت واشنطن منذ 1946 انتشار الأسلحة النووية، لكنها حتى ستينيات القرن الماضي لم تترجم هذه المعارضة الى سياسة متماسكة ومحددة لحظر انتشار الأسلحة. فقد وجد الرئيس الأميركي الراحل جون كيندي عندها أن مسألة انتشار الأسلحة النووية تُعدّ مشكلة للسياسة الخارجية، وأقرّ خلفه ليندون جونسون فكرة عقد معاهدة حظر الانتشار كحل لهذه المشكلة.

لكن في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، كانت الدولة العبرية شاهداً قوياً على فشل حكومة الرئيس الأميركي الأسبق داويت إيزنهاور بالتصدي للانتشار النووي. الإدارة اللاحقة برئاسة كينيدي كانت الأشدّ حزماً في التعامل مع المشكلة الإسرائيلية. ففي الوقت الذي كان فيه كينيدي ملتزماً بأمن إسرائيل، كان قلقاً تجاه انتشار الأسلحة النووية، إلى أن وقع صدام في ربيع وصيف عام 1963.

وفي عهد خلفه جونسون، وُضع ترتيب خاص تعهدت بموجبه إسرائيل بأن لا تكون أول من يدخل الأسلحة النووية الى الشرق الأوسط، في مقابل أسلحة أميركية.

منذ هاري ترومان، عارض كل الرؤساء الأميركيين انتشار الأسلحة النووية. وقد عزز قانون الطاقة الذرية لعام 1946 هذه المعارضة عن طريق حظر نقل أسلحة نووية أو أي تكنولوجيا نووية باعتبارها «معلومات محظورة» الى دول أخرى.

لكن سجل حكومة ايزنهاور يُظهر أن منع انتشار الأسلحة النووية لم يكن أولوية قصوى مثل المشاركة في فوائد الطاقة النووية في الصناعات المدنية في إطار ما سُمّي «الذرة من أجل السلام».

الحالة الإسرائيلية تعطي صورة دراماتيكية عن عجز سياسات حكومة إيزنهاور

ومثّلت إسرائيل معضلة للسياسة الأميركية. وتعطي الحالة الإسرائيلية صورة دراماتيكية عن عجز سياسات حكومة إيزنهاور في ما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية.

 التخبط والإرباك داخل جهاز الاستخبارات في حكومة إيزنهاور أديا الى أمور أكثر من مجرد عدم المراقبة وسوء التقدير. فسياسات هذه الإدارة في المجال النووي، أوجدت جوّاً قاد الى انهيار الرقابة. واستغلت إسرائيل بصورة متعمدة هذا الجو في جهودها لإخفاء أعمالها.

وأصبحت مهمة حكومة كينيدي التي ستتولى السلطة التأكد من أن مثل هذا التخبط والارتباك الاستخباري لن يحدثا ثانية.

ومارس كينيدي الضغط على إسرائيل خلال النصف الأول من 1961، وفي أيامه الأولى تلقى تقارير شفوية ومكتوبة تؤكد كلها أنه يجب وضع ديمونا تحت ضمانات دولية أو تضمن على الفور تفتيشاً أميركياً للموقع.

واستمرت معركة ديمونا بين كينيدي وبن غوريون ما بين نيسان وحزيران 1963. وبعد أخذ ورد وطلبات بتقديم ضمانات أمنية واستجابات ومماطلات، وافق بن غوريون على مضض على أن تكون هناك زيارات دورية لوفود أميركية لديمونا.

وخلال فترة قصيرة، كان هناك شعور بأن بالإمكان كبح الحالة النووية الإسرائيلية من خلال الوسائل الثنائية.

في أواخر عام1964، وطبقاً لما تنبأت به الاستخبارات الأميركية، فجرت الصين أول قنبلة نووية، وهو ما أثار إمكان حدوث سلسلة من ردود الفعل بشأن الانتشار النووي، وخصوصاً من جانب الهند واليابان وباكستان.

وبالنسبة إلى إسرائيل، كان هناك شعور في واشنطن بأن مشكلتها النووية قد تجرى احتواءها، على الأقل سياسياً. وأن هذا الأمر قد يظل قائماً طالما أن الولايات المتحدة تلبي احتياجات إسرائيل من الأسلحة التقليدية.

وبالنسبة إلى إسرائيل، فقد أصبح واضحاً في 1966 بأن الترتيب النووي الذي تم الاتفاق عليه بين كينيدي وأشكول قد أصبح موضع خلاف. فتلك التفاهمات كانت غامضة جداً. والقضايا الرئيسية كانت موضع تفسيرات مختلفة. ومن الناحية العملية فإن التفسيرات الإسرائيلية هي التي سادت.

وفيما استمرت إسرائيل بتدمير الشروط التي أصر عليها كينيدي، فإن الزيارات الدورية لديمونا «أصبحت تثير غثياناً سياسياً للطرفين». وفي منتصف 1965، أرسل جونسون رسالة الى أشكول طلب فيها بأن توافق إسرائيل على وضع مفاعل ديمونا تحت ضمانات لجنة الطاقة الذرية الدولية. ولم يُجب أشكول.

وأثناء المفاوضات حول معاهدة حظر انتشار الأسلحة، اعتقد المسؤولون الأميركيون بأن هناك فرصة معقولة لإقناع إسرائيل بتوقيع المعاهدة إذا انتُهجت سياسة العصا والجزرة.

لكن في صيف عام 1967، لم يكن لدى حكومة جونسون أي فرصة حقيقية للبدء في محادثات مع إسرائيل بشأن المعاهدة. فالأزمة والحرب وما تلاها غيرت الوضع في الشرق الأوسط على نحو عميق.

وفي بداية 1968، قدمت الدولتان العظميان نسخ مسودة معاهدة متماثلة الى مؤتمر نزع السلاح. وفي نهاية العام، وبعد صدام آخر مع الولايات المتحدة، ظلت إسرائيل عنيدة في رفضها توقيع المعاهدة. ومن الناحية السياسية الرسمية، فإن المعاهدة «تحت الدراسة»، وأما من الناحية غير الرسمية فإن الولايات المتحدة فهمت أن إسرائيل «لن توقّع».

المصدر: الاخبار

البث المباشر