وزير العمل: برامج التشغيل والمساعدات مسكنات
اقتصادي: أزمة العمال نتاج التبعية للاقتصاد "الإسرائيلي"
غزة - أمل حبيب
أوراق اللعب بين أيديهم.. ويتبادلون أطراف الحديث في شارع فرعي أمام منزل أحدهم , وإذا مر عليهم أحد ونظر إلى ساعته مستغربا بسبب تأخر الوقت تكون إجابتهم جاهزة: لا "تقلق ما إلنا شغلة ولا عملة", هكذا يقضي عمال قطاع غزة المحاصرة يومهم في ظل غياب العمل وتأزم الوضع , فهم الفئة الأكثر تضررا ومعاناة بعد أكثر من ألف يوم للحصار .
صرخة عمال
عامل (الطوبار) أشرف حمدي 27 عاما أب لطفلين يقول للرسالة :" الوضع يتجه نحو الأسوأ فلا توجد فرص عمل ولا أستطيع توفير مصروف أبنائي اليومي (...) وقفت عاجزا أمام الحصار وإغلاق المعابر", وأضاف :"برامج التشغيل(البطالة ) لا تكفي لسد احتياجات البيت", مطالبا الحكومة الفلسطينية بالنظر الجاد في أزمة العمال ليعيشوا وأبناؤهم حياة كريمة .
أما الخياط أبو محمد 30 عاما (عامل مع وقف التنفيذ) فارتسمت على وجهه علامات الاستغراب الممزوجة باليأس عند سؤال (الرسالة) له عن وضعه كعامل بعد أكثر من ألف يوم للحصار, وصمت برهة من الزمن ثم قال :" قبل الحصار كنت اعمل خياطا في مصنع عند معبر (كارني) , ولكن بسبب عدم توفر الأقمشة والمعدات اللازمة نتيجة إغلاق المعابر أوصد المصنع أبوابه وجلست في البيت ".
لكن الخياط أبو محمد لم ييأس فباع مجوهرات زوجته واشترى ماكينات خياطة وفتح بها مشروعا صغيرا في (حواصل) بيت والده , ولكن المشروع لم ينجح لنفس الأسباب السابق ذكرها , واليوم يجلس أبو محمد بجوار ماكينة الخياطة والتي تآكلت نتيجة الصدأ وقلة العمل منتظرا الفرج من الله.
أبو محمد يعيش مع أفراد أسرته الخمس في غرفة من منزل والده الذي يصرف عليه وعلى أبنائه , وتقول زوجته والأسى مرسوم على وجهها :" يعاني زوجي من حالة اكتئاب وضيق في الصدر نتيجة جلوسه في البيت من دون عمل ", مناشدة كل من لديه ضمير حي بان يساهم في فك الحصار عن شعب غزة المقهور .
حركة العمل مشلولة
الحاج الخمسيني زهير جميل من حي التفاح وأب لعشرة أبناء , تجاعيد وجه تروي ضيق الحصار وقلة العمل ,ويقول للرسالة :" كنت معلم بالطوبار ووضعي المادي فوق الريح ,ولكن تدريجيا وبعد انتفاضة الأقصى تأزم الوضع وفقدت عملي داخل الخط الأخضر, وبعدها بدأت بالعمل في القطاع حتى جاء الحصار وأغلقت المعابر, ولا يوجد مواد بناء للعمل ".
واليوم عادت الحاجة أم زهير تصرف على ابنها وعائلته كالطفل الصغير .
أما عامل (القصارة) أبو فتحي30 عاما من سكان مخيم الشاطئ ليس حاله بأفضل من غيره , فلقد وصف حركة العمل في القطاع بالمشلولة , وخصوصا بعد فرض الحصار الظالم على غزة , وقال (للرسالة) :" بعد انقطاع مواد البناء, اشتغلت سائق تاكسي لفترة مؤقتة على سيارة صديقي وبعدها حصلت على بطالة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لمدة ثلاثة شهور ثم جلست في البيت ", وتابع حديثه بنبرة المحتاج إلى عمل :" ما بدي كبونة ولا بطالة , بدي اسمنت عشان اشتغل واكسب من عرق جبيني "
محمد بشارة 25 عاما وجد فرصة عمل مؤقتة في الأنفاق ورغم أنها محفوفة بالمخاطر أعرب عن رضاه بها وقال: العمل بالأنفاق أفضل من الجلوس بالبيت.
مسكنات لتخفيف الأزمة
الرسالة وجهت صرخة عمال القطاع إلى وزير العمل أ. أحمد الكرد , والذي قابلنا بابتسامة هادئة في مكتبه أوضح بان وضع العمال في القطاع مأساوي ويزداد سوءا بعد أكثر من ألف يوم على الحصار وما واكبه من الحرب الإسرائيلية والتي أثرت على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية , مشيرا إلى أن الحكومة تحاول إيجاد حلول ترقيعية أو مسكنات للتخفيف من حدة الأزمة .
وذكر وزير العمل بعض الحلول والبرامج التي اتبعتها الحكومة للعمال ومنها برامج التشغيل المؤقت والتي تم خلالها تشغيل 2000 عامل من بين عشرات آلاف العمال وهو عدد محدود حسب وجهة نظره , إضافة إلى المساعدات الطارئة التي تقدم لشريحة العمال في المناسبات وبداية العام الدراسي , منوها إلى تقديم الحكومة قروض لأصحاب المشاريع الصغيرة ودعمها.
وقال الكرد :" تعاونا ونسقنا مع الجهات المانحة والمؤسسات الدولية والاونروا , والتي تشغل 1500 عامل شهريا , بالإضافة إلى جمعية الإغاثة الإسلامية وبرنامج تكافل مما يخفف من آثار البطالة " , وأضاف :" هي مسكنات ولكن لا تحل المشكلة ,و يكمن الحل في رفع الحصار والعدوان عن غزة ".
الأزمة تتفاقم
وأكد وزير العدل بأن أزمة البطالة والفقر تفاقمت نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة وحسب آخر التقديرات فقد بلغ معدل البطالة 65%, ومعدل الفقر 80% في قطاع غزة, وأصبح 85% السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من الاونروا وبرنامج الغذاء العالمي والجمعيات الخيرية المختلفة وتشير الإحصاءات الاقتصادية بأن ما يقارب من 150 ألف عامل فلسطيني في غزة عاطل عن العمل.
وعن أهم الصعوبات التي تواجه وزارة العمل في تخطي مشكلة العمال , قال الكرد :" المشكلة كبيرة بسبب وجود كثير من العمال وقلة المشاريع بسبب عدم توفر الموارد الاقتصادية وخصوصا بعد الإغلاق والحصار وما خلفته الحرب الأخيرة من تدمير ما يقارب 600 منشاة صناعية , و3000 تعطل عملها ", وتابع :" طرحنا مشروع الضمان الاجتماعي ل50000 عامل بغرض توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للعمال العاطلين عن العمل , ولكن بكل أسى لم ننجح إلا بنسبة محدودة ".
من ناحيته أقر د. معين رجب أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بصعوبة مشكلة العمال وأنها ليست وليدة الفترة الحالية وإنما هي تراكمات ونتاج لحالة التبعية الاقتصادية الإسرائيلية , فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى حتى اليوم ووضع العمال يزداد سوءا , مشيرا بان الوضع لم يتغير وخصوصا بان الآمال كانت معلقة لإيجاد وظائف للعمال وخاصة قطاع المقاولات .
برامج تشغيل دائمة
وذكر الخبير الاقتصادي بان مستلزمات الإنتاج ومواد الخام مازال الحصار مفروضا عليها ولا يدخل إلا السلع الاستهلاكية والمعونات الغذائية والتموينية , منوها إلى أن هذه السلع تسد الرمق ولا توفر وظائف .
أما بالنسبة لبرامج التشغيل وما مدى مناسبتها قال رجب :" هي برامج مؤقتة للأوضاع الطارئة ولا تصلح على المدى البعيد , بالإضافة إلى أنها ذات اجر قليل ولا يقابلها عمل
منتج ", وأضاف :" من الأفضل أن توظف استثمارات هذه البرامج نحو الاستفادة في إيجاد وظائف دائمة , ولكن الشروط التي تملى على الجانب الفلسطيني لا تسمح بذلك لان معظم مصادر التمويل خارجية ".
وطالب أستاذ الاقتصاد بضرورة إيجاد حلول من خلال استغلال كافة الأفكار وتشجيعها والتي من الممكن أن تولد مشاريع إنتاجية صغيرة بالإضافة إلى ضرورة توفير الحكومة للتسهيلات والقروض اللازمة لعمل مشاريع صغيرة , منبها العمال بان لديهم مسؤولية أيضا في الاستمرار البحث عن أي عمل شريف وان كان باجر قليل أو غير مناسب لتخصصه لحين إيجاد العمل المناسب .
كفى ظلما
من جهته وجه وزير العمل رسالة تعزيز صمود لعمال فلسطين مفادها الصبر والثبات وعدم التنازل عن حقهم في العيش أحرارا , وقال:" كفى ظلما لعمال فلسطين , لابد لحصار غزة أن يكسر حتى يحصل العمال على لقمة عيشهم من عرق جبينهم ".